غدا(15 يناير) تحل الذكري الثانية لدخول الميثاق العربي لحقوق الإنسان حيز التنفيذ في مثل هذا اليوم من عام2008, وكانت القمة العربية قد وافقت علي مشروع الميثاق منذ عام2004 بعد إعداده بالتنسيق فيما بين دول الجامعة والعمل علي الاستفادة من المعايير الدولية التي سجلتها المواثيق القارية والاقليمية مع مراعاة الحفاظ علي الخصوصية العربية. وكان الإعلان الأمريكي عن حقوق وواجبات الإنسان في بوجوتا أول تلك المواثيق حيث صدر في مايو1948 وأنشئت اللجنة الأمريكية لحقوق الإنسان في25 مايو1960 واعتمدت دول أمريكا الشمالية والجنوبية اتفاقية الإعلان في22 نوفمبر1969, أما أوروبا فقد أقرت اتفاقيتها بشأن حقوق الإنسان في روما بتاريخ4 نوفمبر1950, وجاء الدور مؤخرا علي الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب حيث تم اقراره من منظمة الوحدة الافريقية( الاتحاد الافريقي حاليا) في28 يونيو1981. ويعني هذا إن الميثاق العربي لحقوق الإنسان قد تأخر صدوره من ناحية والتصديق عليه من ناحية أخري, حتي دخل حيز التنفيذ للمرة الأولي في15 يناير2008, كما سبقت الإشارة, وذلك مع تقديم وثائق التصديق تباعا من7 دول عربية فقط وبعدها تشكلت لجنة حقوق الإنسان مع الدول التي صدقت علي الميثاق واللجنة مكلفة بمراقبة تنفيذ الميثاق في الدول المصدق عليها, ووصلت حاليا إلي عشر دول فقط, وتضع اللجنة التقارير حول التزام الدول بهذا الميثاق. ولعل الترتيب التاريخي لصدور الميثاق العربي والتصديق عليه مؤخرا مقارنا بالمواثيق الأمريكية والأوروبية والإفريقية يثير مفارقة من الأهمية الإشارة إليها, فالوطن العربي كان علي مر عصور التاريخ أخصب مكان ازدهرت فيه حقوق الإنسان, فالوطن العربي أساسا مهبط الأديان السماوية, وهي كلها رسالات استهدفت شرف الإنسان وسعادته, وأكدت حقوق الانسان في الحياة والحرية ووضعت الفرصة المتكافئة أمام البشر دون نظر الي اللون أو الجنس أو العرق. وكان من الطبيعي ان يسود الوطن العربي منذ أقدم العصور روح المساواة, بينما أوروبا التي سبقتنا في إصدار اتفاقيتها لحقوق الإنسان لم ترفع شعار المساواة إلا في أواخر القرن الثامن عشر إبان الثورة الفرنسية. لقد رسخت المساواة في طبائع ونفوس العرب, واتسمت أخلاقهم بالعدل والسماحة, ومنح الأمان لكل مضطهد ولكل غريب, وعاشت كل الأجناس مهما اختلفت عقيدتها أو لون بشرتها علي أرض العرب متمتعة بجميع حقوقها الإنسانية لم تعرف يوما تعصبا من جانب العرب. الفكر العربي إذن بتكوينه يرفض أساسا كل ما هو عنصري, ولم يتخذ علماء العرب في التاريخ والجغرافيا والعمران موقفا عدائيا من أي جنس علي أساس اللون, فالمؤرخ العربي المعروف المسعودي الذي عاش في القرن العاشر الميلادي يتحدث في موضوعية ويشهد للجنس الأسود في إفريقيا بالفصاحة والخلق الطيب, والعالم العربي الشهير ابن خلدون يعرض في مقدمته المعروفة لذكر الأجناس البشرية, ولا يهتم بالصفات البدنية والشكلية للأجناس, بل يوجه كل عتابه الي البحث عن العوامل الاجتماعية ساعيا إلي إظهار أثر الحرفة في اسلوب الحياة. وهذا الخط الفكري الذي يربط بين ما تتميز به الشعوب والظروف الاجتماعية التي تعيش فيها هو ما يؤكده البحث العلمي الحديث, وما تدعو إليه اليونسكو دون أي ربط بين هذه المميزات والصفات الطبيعية للإنسان. والإمام ابن حزم الأندلسي من القرن الثالث عشر الميلادي اشتهر أيضا بآرائه وأفكاره عن العدالة ومنع استغلال الإنسان للإنسان, فالعدل والإخاء الإنساني عنده ضرورة حياة, والتفرقة عنده قد تؤدي الي حروب جامحة تنفجر فيها الأحقاد. هكذا نجد اتجاها عربيا قويا من الناحية الفكرية يؤكد منذ وقت مبكر المساواة بين البشر ويدعو الي ما نطلق عليه حاليا( ثقافة حقوق الإنسان) ووصل الفكر العربي المعاصر رسالته شارحا ومؤكدا أهمية تصحيح مسار حركة حقوق الإنسان التي تتبناها الدول الكبري, والتي لاترقي شكلا ومضمونا الي نموذج أمثل يمكن أن تحتذيه الدول النامية علي مستوي العالم الثالث. ونحن العرب في مقدمة الدول النامية التي تدرك هذا ويمكن الإشارة هنا الي الخطاب العربي أمام كل المحافل الدولية لشأن حقوق الإنسان, ويكفي هنا الإشارة إلي النقاط السبع التي وردت في سياق وجهة النظر العربية أمام المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان( فيينا النمسا يونيو1993) وفي مقدمتها: * تقييم التقدم الذي أحرز في مجال حقوق الإنسان والعقبات التي تحول دون إحراز تقدم بشأنه منذ اعتماد الإعلان العالمي عام1948, واتخاذ الإجراءات الفعالة لتنفيذ معايير ومواثيق حقوق الانسان خاصة المتعلقة بإزالة الاحتلال الأجنبي. * عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول والمساس بسيادتها بحجة حماية حقوق الإنسان. * تأكيد العلاقة بين التنمية والمديونية والديمقراطية والتمتع بجميع حقوق الإنسان. * وضع المعايير الكفيلة بتفادي الازدواجية والانتقائية في تطبيق معايير حقوق الإنسان. ولعل التذكير بمثل هذا الدور العربي يكون في مقدمة مراسم احتفالنا بأيام حقوق الإنسان المشهودة ومن حق الجيل الجديد من شبابنا أن يعي هذا جيدا.