"التعليم" تنفي إدخال تعديلات جديدة على المرحلة الثانوية    الحكومة تؤكد انتظام سداد مستحقات الشركاء الأجانب بقطاع البترول    بدء استقبال تحويلات حجز وحدات المرحلة العاشرة التكميلية ب«بيت الوطن».. الأربعاء المقبل    رئيس جامعة المنوفية يشارك في اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالعاصمة الإدارية    فرنسا: مارين لوبان تؤكد عدم ارتكاب أي مخالفة مع بدء محاكمتها بتهمة الاختلاس    ناصر منسي: ليفاندوفسكي مثلي الأعلى أوروبيا.. وعماد متعب محليا    التحقيق مع 8 أشخاص متهمين بالتشاجر في عين شمس    شيرين عبدالوهاب تفاجئ جمهورها بهدايا مميزة    6 أكتوبر.. مؤتمر صحفي للإعلان عن تفاصيل الدورة السابعة لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح المصري    التعليم تكشف حقيقة تعديل منهج العلوم المتكاملة    ننشر التحقيقات مع تشكيل عصابي من 10 أشخاص لسرقة السيارات وتقطيعها بالقاهرة    النيابة تستمع لأقوال مؤمن زكريا في واقعة السحر المزيفة    برلمانية: هل سيتم مراعاة الدعم النقدي بما يتماشى مع زيادة أسعار السلع سنويًا والتضخم؟    محافظ كفرالشيخ ومدير جمعية المحاربين القدماء يكرمان أسر الشهداء    1 أكتوبر.. فتح باب التقديم للدورة الخامسة من "جائزة الدولة للمبدع الصغير"    100 يوم صحة.. تقديم 95 مليون خدمة طبية مجانية خلال شهرين    قافلة طبية مجانية بمركز سمالوط في محافظة المنيا    طريقة عمل المسقعة باللحمة المفرومة، لغداء شهي ومفيد    سي إن إن: إسرائيل نفذت عمليات برية داخل لبنان    عاجل:- بنيامين نتنياهو يحرض الشعب الإيراني ويهاجم قيادته: "إسرائيل تقف إلى جانبكم"    سياسيون: الحوار الوطني يعزز وحدة الصف ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية    "تريزيجيه في مواجهة رونالدو".. موعد مباراة النصر والريان والقناة الناقلة    وزير الشباب يستعرض ل مدبولي نتائج البعثة المصرية في أولمبياد باريس 2024    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    ناصر منسي: إمام عاشور صديقي.. وأتمنى اللعب مع أفشة    جامعة بنها: منح دراسية لخريجي مدارس المتفوقين بالبرامج الجديدة لكلية الهندسة بشبرا    هيئة الاستشعار من البُعد تبحث سُبل التعاون المُشترك مع هيئة فولبرايت    مجلس النواب يبدأ دور الانعقاد الخامس والأخير و 5 ملفات ضمن الاجندة التشريعية    فصل نهائي لموظفين بشركات الكهرباء بسبب محاضر السرقات المكررة -تفاصيل    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة غدا الثلاثاء 1 - 10 -2024    جمارك مطار الغردقة الدولي تضبط محاولة تهريب عدد من الهواتف المحمولة وأجهزة التابلت    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    محافظ الشرقية يُناشد المزارعين باستثمار المخلفات الزراعية.. اعرف التفاصيل    الإدارية العليا: وجوب قطع المرافق في البناء المخالف والتحفظ على الأدوات    احتفالاً بذكرى انتصارات أكتوبر.. فتح جميع المتاحف والمسارح مجانًا للجمهور    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    تفاصيل فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية.. تنطلق غدا    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    الحكومة الإسرائيلية: إعادة سكان الشمال لمنازلهم تتطلب إبعاد حزب الله عن حدودنا    «أوقاف مطروح» تكرم 200 طفل من حفظة القرآن الكريم في مدينة النجيلة (صور)    كم بلغت حصيلة ضحايا غارات إسرائيل على جنوب وشرق لبنان؟    إيران تعلن رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا بشكل جدي    كريم رمزي: عمر مرموش قادر على أن يكون الأغلى في تاريخ مصر    تهدد حياتك.. احذر أعراض خطيرة تكشف انسداد القلب    بعد رسالة هيئة الدواء.. خدمة للمرضى لمعرفة "بدائل الأدوية"    تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    ريفر بليت يسقط على أرضه أمام تاليريس كوردوبا    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    فؤاد السنيورة: التصعيد العسكرى فى لبنان ليس حلا وإسرائيل فى مأزق    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    بعد خسارة السوبر الأفريقي.. الأهلي يُعيد فتح ملف الصفقات الجديدة قبل غلق باب القيد المحلي    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



‏2010..‏ مستقبل فلسطين والدور المصري
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 01 - 2010

علي غير عادة ضباط الجوازات في المطارات عدم التحدث مع المسافرين‏,‏ فقد سألني ضابط الجوازات في مطار بيروت الدولي‏,‏ حين رأي وظيفتي بجريدة الأهرام‏,‏ عن حقيقة استشهاد الجندي المصري علي الحدود مع غزة‏,‏ وهل فعلا ان الرصاصة القاتلة جاءت من القطاع واحد افراد حماس‏,‏ أم أنها رصاصة اطلقها طرف مأجور اراد زيادة التوتر بين مصر وغزة؟ كان السؤال مفاجئا لي من زاويتين‏,‏ الأولي ان متابعة الشأن المصري خارجيا وداخليا لاتعد في نظر الكثير من الاشقاء العرب شأنا يخص مصر وحدها‏,‏ بل هو أيضا يخصهم ويدفعهم دائما للمتابعة والتحليل والنقد وإثارة الاسئلة وانتظار الجواب المقنع‏.‏ والثانية أن السؤال يحمل تشكيكا مبطنا‏,‏ أو علي الأقل عدم اقتناع بالرواية المصرية الخاصة باستشهاد الجندي المصري‏,‏ ويطرح تصورا ضمنيا بأن هناك من يريد ان يزيد الوضع تأزما بين مصر وحركة حماس التي تسيطر علي القطاع فعليا وتقوم بدور حكومة أمر واقع إلي أن تتغير الظروف وتعود الأمور إلي طبيعتها‏,‏ وبالتالي فإن حماس ليست مسئولة ويجب عدم التشدد معها‏.‏ حالة ضابط الجوازات ليست فريدة من نوعها فهي متكررة‏,‏ في كل مكان تثار فيه قضية عربية يكون التساؤل المنطقي هو ما الذي فعلته مصر وماذا يمكن ان تفعله؟ وفي بعض الاحيان يتطوع كثيرون بتقديم اجابة تنفي أي فعل لمصر‏,‏ ويتبعها نوع من الترحم علي الأيام الخوالي حين كانت القاهرة تقود الأمة العربية وتحدد الأولويات وخطط العمل والبدائل وتأخذ القرار الذي يرضي طموح العرب ويرضي غرورهم‏.‏
لقد بات النقد لمصر وسياساتها من قبيل تحصيل الحاصل الآن في كل مكان‏,‏ وما توجد ندوة أو مؤتمر أو تجمع ثقافي عربي أو فكري‏,‏ ناهيك عن برامج الفضائيات الزاعقة والمهيجة للمشاعر‏,‏ يعالج ويناقش أمرا يخص العرب جميعا في شأن ثقافي أو فكري أو علمي أو سياسي إلا ويصب الجميع المسئولية علي رأس القاهرة‏,‏ في الجانب الايجابي في مثل هذه الاطروحات الناقدة غالبا هو اعتراف ضمني بأن العالم العربي لايستطيع ان يقلب الموازين ويحقق الطموحات العربية دون دور قيادي من مصر‏.‏ أما الجانب السلبي فهو تحميل مصر وحدها مسئولية التردي العربي وتصوير الأطراف الأخري ذات الصلة بالموضوع وكأنها مغلوبة علي أمرها ولايمكن مطالبتها بأي دور لمصلحة العرب لأنها بيساطة ليست طرفا قائدا كما هو الحال بالنسبة للقاهرة‏.‏
كانت مناسبة السفر إلي لبنان هي المشاركة في ورشة عمل عن مستقبل القضية الفلسطينية في العام الجديد في ضوء خبرة عام‏2009,‏ الجهة المنظمة للندوة هي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومقره في بيروت‏,‏ وهو مركز يهتم بالقضية الفلسطينية ويعالجها من جميع الجوانب‏,‏ ويصدر سنويا تقريرا استراتيجيا عن القضية الفلسطينية منذ عدة سنوات‏,‏ بات يشكل مرجعا مهما واساسيا لكل من يريد أن يتابع المصير الفلسطيني‏.‏ كان السؤال المركزي في ورشة العمل يتعلق بالتصورات المحتملة وبالادوار التي يمكن ان تلعبها اطراف ذات صلة بالمسار الفلسطيني‏,‏ سواء اطرافا عربية أو إقليمية أو دولية‏.‏ وقد تناولت المداخلات التي قدمها باحثون وأكاديميون ومن هم علي صلة وثيقة بالفصائل الفلسطينية المختلفة أو بالسلطة وبحركة فتح تحديدا‏,‏ وبالتحليل والنقد والتخيل والترجيح‏,‏ امورا شتي لفت نظري من بينها خمسة أمور‏:‏
أولا‏:‏ الاتفاق علي أن القضية الفلسطينية الآن هي في أسوأ حالاتها‏,‏ ومرشحة إلي أن تتعرض لمزيد من الانتكاسات الخطيرة إذا ظل الوضع علي ما هو عليه من انقسام فلسطيني وتراجع في العملية السياسية‏,‏ وفي تغييب برنامج سياسي مبدع يمزج بين العمل السياسي وبحق المقاومة في آن واحد‏.‏
ثانيا‏:‏ إن التشاؤم هو سيد الموقف بين جميع الفصائل الفلسطينية‏.‏ وبالرغم من أن القريبين من حركة حماس كانوا يتحدثون عن الصمود والمقاومة والانتصار في وجه العدو‏,‏ إلا أنهم لم يقدموا بديلا آخر للوضع الراهن‏,‏ وبدوا أكثر تشبثا به من أي وقت آخر‏,‏ وفي الوقت ذاته بدوا كمن ينتظر حربا جديدة أو عدوانا جديدا سوف تقدم عليه إسرائيل في غضون العام الراهن‏.‏
أما القريبون من حركة فتح فكانت دعوتهم محددة وهي أنه لابديل سوي المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني من داخله‏,‏ لان الاستحقاقات كبيرة ولايمكن لأي طرف بمفرده أن يتحمل تبعاتها‏.‏
ثالثا‏:‏ إن ثمة صدمة من التراجع الأمريكي وتراجع إدارة أوباما علي وجه التحديد عن القيام بأي دور فعلي يقود إلي حلحلة في الوضع الراهن الذي يمكن اختصاره في كلمة واحدة وهي الجمود المنذر بالانفجار‏.‏ وجاءت التصريحات التي اطلقتها هيلاري كلينتون بعد زيارة وزيري الخارجية المصري والأردني لواشنطن في يوم عقد ورشة العمل بأن بلادها تفضل المفاوضات بلا شروط مسبقة‏,‏ وكأنها رسالة للمجتمعين بألاينتظروا شيئا جديدا من واشنطن لاترضي عنه إسرائيل‏.‏
رابعا‏:‏ ان إسرائيل في وضعها الراهن الذي يسيطر عليه اليمين فكريا والمستوطنون بإيديولوجيتهم القائمة علي تهويد كل ما يمكن تهويده وطرد الفلسطينيين من أرضهم ليست مستعدة لأي استحقاق للتسوية السلمية في الأفق المنظور‏.‏
خامسا‏:‏ أن ثمة تساؤلات عن الآثار التي يمكن أن تحدث في غزة بعد الاجراءات المصرية لضبط حركة الحدود‏,‏ وكان مثيرا أن يشير احد المتابعين بدقة لما يجري في غزة إلي أن الوضع القائم في القطاع حاليا ترتبت عليه بنية اجتماعية وسياسية لاترضي عن المصالحة أو العودة مرة أخري إلي احضان السلطة الوطنية الفلسطينية‏,‏ وتجنح إلي إبقاء الوضع علي ما هو عليه نظرا لما يجلبه لها من مكاسب عديدة‏.‏
كانت المناقشات ثرية طالت أيضا الدور المصري فلسطينيا وعربيا‏,‏ وبعض المداخلات لم تكن تحمل سوي مقولات عامة وليست لديها المعلومات الكافية عن التحركات المصرية لا في السودان أو اليمن أو العراق أو مع تركيا‏,‏ ناهيك بالطبع عن ترديد الانتقادات ذاتها التي تقال في فضائيات بعينها علي خلفية المواجهات التي جرت في غزة بشأن قافلة شريان الحياة‏3‏ وبالرغم من طرحي للمعلومات الصحيحة في هذه النطاقات فإن النقد للمواقف المصرية لم يتوقف‏.‏
جزء كبير من النقد الذي يوجه لمصر الآن ليس بسبب الأوضاع المتردية في غزة‏,‏ ولا بسبب تعثر المصالحة ولا بسبب جمود المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل‏,‏ وإنما بسبب تصورات معينة في أذهان قائليها تنطلق اساسا من أن علي مصر أن تقوم بالمسئولية كلها تماما‏,‏ كما كانت تفعل في الخسمينيات والستينيات في القرن الماضي‏,‏ والجزء الثاني راجع إلي غياب المعلومات الموثقة عما تفعله مصر بالفعل في العديد من القضايا العربية‏,‏ والجزء الثالث راجع إلي موقف مسبق أخذ علي نفسه تشويه أي خطوة أو اقتراح أو جهد تقوم به مصر‏,‏ وتصويره باعتباره تنفيذا لتعليمات أمريكية وصهيونية ولخدمة الاعداء في مواجهة الاشقاء‏.‏
الأمر الخطير هنا هو أن مثل هذا النقد الصاخب لم يعد تعبيرا عن خلاف سياسي أو فكري ينطلق من تصور لمصلحة عربية عليا يجتمع حولها العرب‏,‏ بل تطور إلي حد تشويه المصريين أنفسهم‏,‏ وايذائهم معنويا وإنسانيا‏.‏ في جزء من هذا تصرف عفوي وجزء آخر يبدو مخططا وذا منهج تلتزم به مؤسسات إعلامية وبحثية وسياسية‏.‏ وبحيث بات المصري الآن متهما بكل شيء أيا كانت قامته العلمية والفكرية‏,‏ وأيا كان موقفه مما يجري في الداخل‏,‏ وفي أقل الأمور في وضع دفاعي عن نفسه وعن بلده والويل له إن لم يكن متسلحا بالمعلومات والتفسيرات المناسبة والمقنعة‏.‏
ثمة تفسير هنا يجنح إلي القول بأن القدرة الإعلامية المصرية وهي من أسس القوة الناعمة لأي بلد الآن لم تعد قادرة علي مواجهة هذا المد القادم من الخارج والمحمل بكل نقد وإساءة والقصد طبعا يتعلق بالإعلام العامل تحت مظلة الحكومة‏,‏ أما ما هو خارج عن هذه المظلة من إعلام خاص وإعلام حزبي فهو اساسا إحدي قنوات الترويج لنقد الحكومة والنظام والبلد بأسره‏,‏ وبحيث أصبح من حجة الناقدين لمصر أن ما يقولونه ليس سوي ما تردده صحف مصرية تصدر في الداخل وليس في الخارج‏.‏ وليس مطلوبا هنا تكميم الأفواه أو الحد من الحرية المتاحة في مصر‏,‏ وإنما المطلوب هو البحث في معالجة التردي الإعلامي من جانب‏,‏ ومعالجة القصور في اداء الوزارات المعنية بالتخاطب مع الرأي العام الخارجي من جانب آخر‏,‏ فالثابت أن مصر تفعل الكثير وفي أكثر من اتجاه‏,‏ ولكن لا احد يعلم عن ذلك شيئا‏,‏ وقطعا فإن المطلوب هو استراتيجية إعلامية فعالة وناجزة علي أن توفر لها الموارد المادية والبشرية المناسبة وأن تتعامل مع الوقائع والاحداث بأعلي درجة من المهنية والاحتراف وبغير ذلك ستظل صورة مصر معرضة للكثير من التشويه وسوء الفهم‏.‏

المزيد من مقالات د. حسن أبو طالب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.