دارت عجلة الزمان وقارب جيل ثورة يوليو المجيدة سن المعاش الذي كنا نتصوره نهاية الطريق, ونتصور من بلغوه قد انتهوا من كل مسئوليات الحياة. ولكن الأمور تغيرت في ظل ما استحدث خلال العقود الستة التي أوشكت علي الاكتمال ليبقي السؤال: ماذا بقي من جيل ثورة يوليو لكي يورث للأبناء أقصد وللأحفاد حتي لا يصيبهم شيء من تجريف الذاكرة الوطنية, أو استشعار شيء من الضياع تجاه حالة الاستلاب الحضاري, أو الإحباط أمام الدهشة والانبهار تجاه منجزات الأخر؟.. بات من المطلوب أن تعاد قراءة ثورة يوليو مرارا علي مسامع الشباب, وأن تجد لديه آذانا مصغية وقلوبا مفتوحة. التفت ناشئة ذلك الزمان حول حلم التعليم المجاني وتكافؤ الفرص, ونجحت التجربة الوطنية فأفرزت نتائج مبهرة من خلال تخريج رموز فكرية وثقافية وعلمية استوعبت طبيعة التجربة, ونجحت في تحقيق غايتها وأهدافها, فبادلت الوطن عطاء بانتماء, وحبا بوفاء, وتواصلا بثقة, وطموحا باجتهاد.. انتصفت أعمار أجيال يوليو بقياس سن المعاش, وبانت حقائق الحلم الوطني جلية امام معترك الحق والباطل, حتي ارتفع علم مصر علي كل ارضها من خلال تجربتي الحرب والسلام علي ما بينهما من مفارقات تتلاقي عند صالح الأوطان, وعندما تنفست أجيال يوليو الصعداء, واستشعرت بأن الآمال الكبار قد تحققت, وان الإنجاز الثوري مازال يدوي في فضاءات المعمورة كلها.. ثم تواصل المشروع الحضاري واتجهت البوصلة في زحام ثورة العلم وتراكم المعرفة وتكتلات الدنيا وسرعة دوران عجلة التقدم الي حيث يكون الرهان الحقيقي علي مشروع الحلم الوطني المتجدد في حتمية قيادة سفينة العلم الي حيث يكون انتاجه بدلا من استيراده, وتوطينه بدلا من استهلاكه, والمشاركة الفعالة في صناعة عالم المعرفة بدلا من الاسترخاء او الجمود عند حالة الانبهار أمام عقل الآخر, خاصة ان لدينا رموزا مشرقة ومشرفة وعقولا أكثر إشراقا وتشريفا نشأت في ظل حلم ثورة يوليو او إرهاصاتها ومازالت قادرة علي العطاء بمنطق تفوق ونبوغ فاروق الباز, ومجدي يعقوب, وأحمد زويل, وذهني فراج, وغيرهم كثيرون من شوامخ العلم ورواد المعرفة ممن يجد فيهم الشباب القدوة بما يدفعه الي ضرورة الالتفاف حول ذلك الحلم الوطني القائم بمعايير المرحلة: إنه التعليم والبحث العلمي بكل محدداته ومقاييسه من منطلق الأمن القومي للوطن, وضمان وضعه علي خريطة الإنجاز الصحيح, وقد حان الوقت للمزيد من عطاء المشروع الوطني في ظل عقد التكنولوجيا ورعاية المنجز العلمي والبحثي في شراكة داعمة مع الدول الكبري, الي جانب مشروع التنمية البشرية بكل أبعاده وتحدياته. فهل آن لمناهجنا التعليمية ان تؤدي هذه المهمة التربوية الابتكارية والإبداعية قبل ان ينقرض جيل يوليو او ينزوي في ساحة التقاعد ليبقي امامه مجرد حديث الذكريات ؟.