دولة واحدة فقط من بين الدول الصناعية الثماني الكبري هي التي وصلت إلي المربع الذهبي في مونديال2010, بخلاف ما حدث عام2006 حين حصدت ثلاث منها المراكز الأولي. فقد فشلت الدول الكبري في النظام العالمي باستثناء ألمانيا في اثبات وجودها في مونديال جنوب إفريقيا, بالرغم من أن ستا منها وصلت إلي نهائياته وهي الولاياتالمتحدةوانجلتراوفرنسا وإيطاليا وألمانياواليابان, وبقيت أربع دول منها بعد الدول الأول عقب الخروج المهين لكل من إيطاليا حاملة اللقب2006 وفرنسا التي نالت المركز الثاني, ولحقت بهما في الدور السادس عشر انجلتراواليابان وأمريكا. ولم تكن هزيمة القوة الدولية الأعظم أمام غانا الافريقية الصغيرة مفاجئة, ففي النظام الكروي الدولي لا تتمتع الولاياتالمتحدة بتفوق لأسباب أهمها حداثة اهتمامها بهذه اللعبة, والسذاجة التي يري وزير خارجيتها الأسبق والأشهر هنري كيسنجر أنها مازالت تغلف كرة القدم الأمريكية, أما هزيمة اليابان الضعيفة أيضا في النظام الكروي الدولي أمام أورجواي العائدة بقوة فهي منطقية بحساب التاريخ الذي يدلنا علي أن الأخيرة كانت إحدي القوي الكبري في هذا النظام. وإذا كان هناك ما يجوز اعتباره مفاجئا في هزائم الدول الكبري في النظام العالمي فهو انتصار ألمانيا بمنتخبها الشاب علي انجلترا بفريقها المخضرم صاحب الخبرة, ومع ذلك, فقد لا تكون هذه مفاجأة بالمعايير الكروية الحديثة ولا بالحسابات السياسية المعاصرة, فقد أكد المنتخب الألماني أن التخطيط العلمي والتجديد الخلاق يحققان التفوق كرويا مثلما يفتحان الطريق أمامه سياسيا, وقل مثل ذلك عن حسن توظيف التنوع الاجتماعي- الثقافي, حيث ضم المنتخب الألماني للمرة الأولي عددا كبيرا من اللاعبين من أصول وأجناس غير ألمانية, فكان أداؤه تطبيقا للمثل الليبرالي: دع مائة زهرة تتفتح. ولذلك صارت ألمانيا هي المؤهلة في مونديال2010 للمحافظة علي وجود مؤثر للقوي السياسية الكبري, في الوقت الذي كان أداء خمس من هذه القوي فيه باهتا, بينما غابت عنه دولتان منها ليس لإحديهما( كندا) وزن في النظام الكروي العالمي, فهي لم تتأهل إلي نهائيات المونديال إلا مرة واحدة حتي الآن, أما الثانية( روسيا) فهي كانت تعتبر دولة قوية نسبيا في النطام الكروي العالمي, إذ تأهلت من قبل سبع مرات بينها خمس حين كانت هي قلب الاتحاد السوفيتي السابق, ولكنها لم تصل إلي المونديالين الأخيرين. أما الدول الثلاث الصاعدة بسرعة إلي قمة النظام السياسي العالمي والمرشحة لأن تكون من كباره في غضون سنوات, فهي شديدة التفاوت من حيث مواقعها في النظام الكروي الدولي, فالهند ليس لها وزن في هذا النظام, ولا تحاول أن تجد لنفسها مكانا فيه بخلاف الصين التي تسعي إلي ذلك, ولكن بدون نجاح بالرغم من ولع شعبها بهذه اللعبة. والمفارقة هنا أن الصين هي إحدي الدول التي تدعي أنها ابتكرت اللعبة- إلي جانب البارود والطباعة- استنادا إلي صور تعود إلي200 عام قبل الميلاد, كما أنها هي التي حصدت معظم الذهب في دورة الألعاب الأوليمبية في بكين عام2008, ولكن موقعها في ميزان القوي الكروي العالمي متأخر للغاية, إذ تأتي في المركز الرابع والثمانين وفق آخر تصنيف أعلنه الفيفا قبيل مونديال2010. ولم تتأهل الصين إلي نهائيات المونديال إلا مرة واحدة عام2002, وأخفق منتخبها في تسجيل هدف واحد خلال مبارياته الثلاث التي أداها في الدور الأول وعاد بعدها إلي بلاده, وربما يشعر لاعبوه بالخجل لدي مقارنتهم بلاعبات منتخب الصين لكرة القدم النسائية الذي يطلق عليه الورود الحديدية ويحتل المركز العاشر وفق التصنيف العالمي. أما الدولة الثالثة( البرازيل) فقد تعرضت في مونديال2010 إلي فضيحة كبري وهي التي ظلت لفترة طويلة القوة الأكبر في النظام الكروي العالمي, ومازالت تعتبر كذلك, وفقا لمعياري عدد مرات التأهل إلي المونديال والفوز بالبطولة التي نالتها خمس مرات, ولذلك استحقت في النظام الكروي الدولي موقع القوة الأكبر, الذي تحتله الولاياتالمتحدة في النظام السياسي العالمي. وتجيء ألمانيا وإيطاليا بعد البرازيل مباشرة, حيث تأهل كل منها17 مرة, ولكن إيطاليا التي حصلت علي الكأس أربع مرات تسبق ألمانيا التي حازته ثلاثا فقط, أما فرنساوانجلترا اللتان حصلت كل منهما علي الكأس مرة واحدة فهما تأتيان بعد الأرجنتين وأوروجواي اللتين فاز كل منهما بها مرتين, ويعني ذلك أن دولة متوسطة( الأرجنتين) وأخري صغيرة( أورجواي) في النظام العالمي تحتلان المركزين الرابع والخامس في النظام الكروي الدولي الذي تصدرته لفترة طويلة دولة تشق طريقها بسرعة للالتحاق بالقوي الكبري. ومن بين حقائق العلاقة بين النظامين السياسي والكروي في العالم, والتي أعاد مونديال2010 تأكيدها, حقيقة أن أوروبا كانت هي القاسم المشترك الوحيد بين قمة كل من النظامين حتي الآن, وهي تظل كذلك بالرغم من ضعف أداء أقطابها في هذا المونديال, وخصوصا بطل مونديال2006 ووصيفه, فأقطابها الأساسيون كبار في هيكل القوة في قمتي النظامين العالميين, بينما يختلف شركاؤهم في كل منهما, ففي قمة النظام الكروي العالمي تتشارك أمريكا اللاتينية مع أوروبا, إذ احتكرت8 دول من القارتين الكأس حتي الآن, وفي قمة النظام السياسي- الاستراتيجي العالمي تأتي أوروبا بعد أمريكا الشمالية( الولاياتالمتحدة). وفي كل من الهيكلين, تزحف آسيا بحثا عن موقع لها, وإذا نجحت الصين في أن تنتزع لنفسها موقعا مميزا آخذا في الازدياد والتوسع في هيكل النظام السياسي العالمي, لم تحقق أي دولة آسيوية نجاحا مماثلا في هيكل النظام الكروي الدولي وفي نظام المونديال تحديدا, فقد أخفقت هذه الدول في الوصول إلي المباراة النهائية في المونديال حتي الآن, فظل المركز الثاني كما الأول حكرا لأوروبا وأمريكا اللاتينية, وكان أكبر انجاز آسيوي حتي الآن هو الذي حققته تركيا عندما حصلت علي المركز الثالث وكوريا الجنوبية التي حصلت علي المركز الرابع في مونديال2002 الذي استضافته الأخيرة مشاركة مع اليابان.