حالة من الغضب اجتاحت كنيستنا القبطية اثر الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بإلزام قداسة البابا شنودة الثالث بطريرك الكرازة المرقسية والكنيسة بالتصريح للزواج الثاني. كان لهذا الحكم صداه علي كل المستويات وبالأخص وسائل الإعلام المرئي منها والمقروء ومع متابعتي للأحداث الخاصة بهذا الشأن, قرأت مقالا بجريدة الأهرام الغراء بعدد يوم الأحد الموافق13 من هذا الشهر, للسيد المستشار محمود العطار نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان مجلس الدولة وقضايا المسيحيين. شمل مقال سيادته العديد من النقاط التي توجه بعض اللوم للأقباط علي رد فعلهم عقب هذا الحكم بوصفها تهديدا خطيرا للتكوين الوطني للأمة المصرية.. وهنا لي تساؤل, هل حينما يتمسك الأقباط بعقيدتهم المسيحية والخاصة بالأحوال الشخصية يعتبر تهديدا خطيرا؟ مع إن ذلك يخالف الشريعة الإسلامية إذا أتاك أهل الذمة فاحكم بينهم بما يدينون. كما أن هناك بعض الملاحظات الهامة التي أسعي من خلالها لتوضيح بعض الأمور قد لا يعلمها الكثيرون مسلمين كانوا أو أقباطا: أولا: أن رد فعل الكنيسة عقب إصدار هذا الحكم كان ليس بتعليق علي أحكام القضاء وهو ما لا نملكه فنحن دائما ما نؤكد احترامنا الشديد لقضائنا المصري الذي يعلو كل الشبهات, وقد أكد ذلك قداسة البابا شنودة الثالث بكل تصريحاته, ولكن ما أود توضيحه إن السيد المستشار الصادر لهذا الحكم هو أول من سرد تفاصيل وحيثيات هذا الحكم لجميع وسائل الإعلام. ثانيا: ذكر السيد المستشار بمقاله أنه حريص علي سرد بعض الحقائق وهي أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا كان بناء علي لائحة التاسع من مايو1938, والتي تعمل بها كنيستنا القبطية, ولذا أود أن أوضح لسيادته أمرا مهم وهو تاريخ تلك اللائحة: فقد وضعت تلك اللائحة من قبل بعض رجال العلمانيين في مرحلة خلا فيها الكرسي البابوي من البابا بنيامين الثاني, مما دفع الدولة بالتدخل في شئون الكنيسة بالتعاون مع بعض العلمانيين بالمجلس الملي وقتذاك. ثم جاء البابا مكاريوس عام1944 وعقد مجمع مقدس ليعلن من خلاله عن رفضه التام للعمل بتلك اللائحة, وكان أول البطاركة الرافضين لها, وفي عام1955 مع تحويل القضايا الملية إلي القضاء المدني تقدمت الكنيسة بمشروع لائحة جديد للمحكمة لفض المنازعات الخاصة بالأحوال الشخصية للأقباط, ولكن المحكمة لم تعمل بها, وفي عام1962 تم تشكيل لجنة كنسية قامت وقتها بمقابلة كل من وزير العدل ورئيس مجلس الدولة لإعلانهم برفض لائحة1938, ومع تولي قداسة البابا شنودة الثالث الكرسي البابوي عام1971 أعلن رفضه التام للعمل بتلك اللائحة. وفي عام1979 تقدم قداسة البابا شنودة الثالث للدكتور صوفي أبو طالب رئيس مجلس الشعب بقانون للأحوال الشخصية للأقباط إلغاء لتلك اللائحة والذي وصفها الدكتور وقتها بأنه معجزة أن يتفق كل رؤساء الكنائس علي قانون موحد.. ولكن يبت به أيضا, وفي عام1998 قام قداسة البابا بعقد اجتماع بجميع رؤساء الكنائس لوضع مشروع جديد للأحوال الشخصية بعد أن طلب منه اجراء بعض التعديلات به لمرور وقت طويل, وبالفعل قام قداسة البابا بذلك وقدم المشروع لمجلس الشعب ووزارة العدل, ولكن لم يعمل به. إذن فتلك اللائحة مرفوضة من الكنيسة تماما, فمع احترامي لما سرد بهذه المقالة بان من وضع تلك اللائحة هو المجلس الملي وهو أعلي هيئة لطائفة الأقباط, إلا ان وقت وضعها كانت هناك بعض الإضطرابات بالكنيسة, وهو ماحاولنا مرارا وتكرارا أن نعالجه من خلال قانون موحد للأحوال الشخصية اتفق عليه رؤساء الكنائس. ونأتي إلي جزئية أخري ذكرها سيادته والخاصة بالدعوي رقم13 لسنة2003 أمام محكمة طنطا للأحوال الشخصية, فبعيدا عن التعمق في حيثيات تلك الدعوي التي لا يعلمها سوي المجلس الاكليريكي, وذلك حفاظا من الكنيسة علي أسرار رعيتها, فالزواج في المسيحية هو سر مقدس قبل ان يكون عقدا موثقا, لذا أود توضيح شئ مهم ألا وهو أن الطرف البرئ فقط هو من يحصل علي تصريح ثان بالزواج, كما أن هناك قضايا مشابهة لسالفة الذكر بت بها القضاء لمصلحة الكنيسة وقد ذكر قداسة البابا شنودة الثالث بعضا منها بالمؤتمر الصحفي الذي انعقد بالمقر البابوي عقب اجتماع المجتمع المقدس. واذهب إلي نقطة أخري سردت بالمقالة إلي أن المجلس العام المنتخب عام1938 هو من وضع تلك اللائحة, ومنها فإن الحكم الصادر من مجلس الدولة لا يمثل اضطهادا للأقباط في مصر. إننا لم نعلن ذات يوم إننا مضطهدون فنحن ودون مجاملة نعيش في وطننا الغالي مصر ذلك الوطن الذي يعيش في قلوبنا وليس وطنا نعيش فيه تلك المقولة التي علمنا إياها قداسة البابا شنودة فكيف يقال إننا نزعم بأننا مضطهدون, وإنما هناك ملف قبطي يشمل الكثير من المتطلبات ومنها( قانون موحد للأحوال الشخصية) الذي بوجوده لم تكن كمثل هذه الإشكالية, لذا كم نتمني أن يفتح ذلك الملف في ظل القيادة السياسية الحكيمة التي يمثلها السيد الرئيس محمد حسني مبارك أب كل المصريين. ولنذهب إلي النقطة الأخيرة التي ذكرها سيادته عن موضوع الأستقواء بالجهات الخارجية لقداسة البابا شنودة الكثير من المواقف الوطنية التي لا يستطيع أن يزايد عليها أحد, ويتضح ذلك من رفضه الدائم لتدخل أي من الجهات الخارجية بشئوننا الداخلية وأعظم مثال هو رفض قداسته مقابلة لجنة الحريات الدينية عقب أحداث نجع حمادي. عزيزي المستشار.. إنني أؤكد يوما بعد يوم ومعي الكثيرون من الأقباط أننا نعيش أزهي عصورنا, وإنما كل ما تحتاجه كنيستنا وعلي رأسها قداسة البابا شنودة الثالث أن تعمل بأمور الأحوال الشخصية بما جاء من آيات بالكتاب المقدس وأوصانا بها السيد المسيح, واليك بعضا منها:( ان من طلق امرأته إلا لعلة الزنا بأن يجعلها تزني( مت32:5), ان من يتزوج مطلقة فانه يزني مت5:32, مت19:9, لو16:18) وليس خلق جو من الهياج والتعصب المقيت, فمصر هي وطننا الذي نعشقه وعلي استعداد تام بان يراق دمانا من أجله.