لا أدري كيف غاب عنا الحديث عن ثقافة( المونديال) إلي أن أثار د.مصطفي عبد الغني هذه المسألة, ففتح بذلك جروحا مغلقة علي صديدها, وحتي عندما تناول البعض هذه المسألة, تناولها من حيث إننا لم نكن ضمن الفرق التي تأهلت للذهاب إلي جنوب إفريقيا, ونسي هؤلاء أن عدم التأهل كان نتيجة مباشرة لغياب هذه الثقافة. (المونديال) فرع عن( العولمة) في صورتها الصحيحة, أي أن المشاركة في هذا العرس الرياضي الإنساني شرف يستحقه كل من فهم هذه الفلسفة, وأعد نفسه إعدادا كاملا لكي يحظي بهذا الشرف, لأنه شرف يحوزه من أحسن الإعداد, دون اعتماد علي المكانة السياسية, أو الاقتصادية, بدليل أن هناك دولا ثرية غاية الثراء ولم تستطع الذهاب( للمونديال). وفي تصوري أن المسئولين الرياضيين ظنوا أن( الفهلوة) تصلح طريقا سهلا للوصول إلي هذه المسابقة العالمية, وكان حصاد هذه( الفهلوة) أن حصلنا علي صفر كبير في سعينا لاستضافتها, ثم تلاه صفر آخر عندما فشلنا في الوصول للمشاركة مع أعظم فرق العالم التي لم نستطع تحقيقها إلا مرتين عام1934 وعام1990, أي أن مشاركتنا هي الاستثناء وأن عدم المشاركة هو القاعدة. وكما فشل المسئولون الرياضيون في أن تستضيف مصر( المونديال) فشلوا في الوصول بالفريق لهذه المسابقة, وفي رأيي أن ذلك راجع لغياب ثقافة هذه المسابقة العالمية التي تعتمد الكفاءة والإعداد والمقدرة وفهم روح الأخوة الإنسانية, والوعي بروح المحبة التي لا تعرف التعصب والانغلاق الذي نعيشه في واقعنا الرياضي عموما وكرة القدم خصوصا, وليس ببعيد ما جري بعد الهزيمة من الجزائر, فقد أكد عدم وعينا بهذه الثقافة. لقد آلمني ما ذكره د. عبد المنعم سعيد عن الرجل الأمريكي الذي استفسر منه عن عدم وجود الفريق المصري بين الفرق المشاركة, لأن هذا السؤال الصريح يخفي سؤالا ضمنيا, إذ كيف يكون لمصر هذا الثقل الثقافي والحضاري ولا تستطيع أن يكون لها حضور في هذا العرس الإنساني. إن الأساس الثقافي الذي يجب أن نعيه للنجاح في أي عمل هو أن الإيمان بأهميته, والإعداد الصحيح لتنفيذه ونشر الوعي بحقيقته حتي يكون الوصول للهدف ناتجا عن كل ذلك, ومن أصول هذا الوعي: تقبل النصر والهزيمة, وبذل كل الجهد لتحقيق هذا الفوز والتخفيف من أثر الهزيمة, وأن نتعلم أن الإعداد الحقيقي هو الذي يبدأ عقب انتهاء الدورة الحالية, واستبعاد أسلوب( الفهلوة) الذي أوصلنا إلي ما نحن فيه, مجرد مشاهدين, لا أكثر ولا أقل. إن غيابنا عن( المونديال) هو غياب لثقافة( العولمة) التي تكون الأفضلية فيها للأكفاء, وتكون الأفضلية لمن أحسن الفهم وأحسن الإعداد, وتهيأ للحوار المناسب مع الآخر, وآمن بالمنافسة الشريفة, ويكون علي ثقة أن نجاحه في مسعاه مرده هذا الوعي الثقافي, والثقل الحضاري, إن النجاح الرياضي إشارة إلي ما يمكن أن يتحقق من نجاحات في مسيرتنا في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية, ونظرة سريعة إلي واقعنا الثقافي تثبت غياب ثقافة المعرفة وتغلب الثقافة العشوائية.