فرض النظام السياسي الطائفي في لبنان أن يكون التوافق السياسي شرطا ومفتاحا لحل كل مشكلاته, دون استثناء, ومهما كان نوعها. حتي مشكلة نقص الطاقة الكهربية التي تعالجها الحكومات حتي الآن بتنفيذ خطة تقنين الاستخدام( التي تطبق علي كل الأحياء والمناطق) بقطع التيار الكهربي3 ساعات يوميا بالتناوب, تلك الخطة التي تطبق منذ سنوات طويلة. ولأن حصول التوافق السياسي المستديم في لبنان علي أي قضية يعد بمثابة خيال علمي, فقد أشاع وزير الكهرباء والطاقة جبران باسيلي الإحباط لدي الناس عندما صارحهم بأن حل المشكلة يتطلب حصول توافق سياسي بين الفرقاء في حكومة الوحدة الوطنية من أجل توفير التمويل اللازم في الموازنة لإنشاء محطات جديدة لتوليد الكهرباء, ولتقوية المحطات القائمة. ولأن باسيل نفسه يعلم أن ذلك شرط صعب التحقيق, فقد صارح الناس أيضا بأن عليهم انتظار صيف سييء.. كهربيا. ومبعث الإحباط ليس استمرار عملية التقنين في توزيع الكهرباء, وإنما لانعكاس ذلك علي تشغيل الأنشطة المرتبطة بالنشاط السياحي, لاسيما أن لبنان بانتظار موسم سياحي واعد هذا الصيف إزاء تلاشي التوقعات بتعرض لبنان لحرب إسرائيلية جديدة, لكن انعقاد اللجنة العليا المشتركة المصرية اللبنانية برئاسة الدكتور أحمد نظيف وسعد الحريري, وإعلان باسيل بحضور وزير البترول سامح فهمي, بدء تشغيل خط إمداد لبنان بالغاز لتشغيل بعض محطات الكهرباء اعتبره جزءا من الحل يبعث علي الأمل. في الوقت نفسه تعد مصارحة باسيل إيجابية لأنها يمكن أن تشكل دافعا للحكومة من ناحية, وتوجد ضغطا شعبيا عليها من ناحية أخري من أجل إقرار الموازنة بتوفير التمويل, لاسيما أن بين الفرقاء أصحاب مشاريع سياحية واستثمارات عقارية, فالمصالح الخاصة في لبنان تكون أحيانا مفتاحا لتحقيق المصلحة الوطنية, وتلك سمة من سمات الحياة السياسية في لبنان. وزاد باسيل علي ذلك بتهديد32 سياسيا من مختلف الانتماءات بقطع التيار الكهربي عن منازلهم ومقار عملهم وأنشطتهم الاقتصادية لعدم سدادهم فواتير الكهرباء فسارع أغلبهم بالسداد لحماية مصالحهم, ولتجنب قضاء حياتهم في الظلام, إلا أن توفير التمويل اللازم حتي لا يعيش قطاع من الشعب في الظلام لم يتحقق حتي الآن! كما لم يتأثر الفرقاء بخروج سكان بعض المناطق احتجاجا علي انقطاع التيار الدولي في بيروت, بل إن فارس سعيد منسق الأمانة العامة لقوي(4 آذار) ربط بين هذه الاحتجاجات وتوقيت عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من جولة خارجية لكي يعتبر الاحتجاجات غير بريئة؟ ومن المعروف أن لبنان ينتج حاليا طاقة كهربية تقدر بنحو1500 ميجاوات بينما الطلب يقدر بنحو2500 ميجاوات, وتسعي الحكومة لتعويض النقص بشراء الكهرباء من دول الجوار, وبإتاحة المجال للاستثمار في هذا المجال, وقد اعتمدت الحكومة منذ عام1993 خطة تهدف إلي تأهيل المحطات القائمة, وإقامة محطات جديدة, ومد شبكات الضغط العالي والمتوسط والمنخفض في ربوع البلد, لكن العجز المالي يشكل معوقا رئيسيا لدرجة عجز مؤسسة كهرباء لبنان أحيانا عن دفع رواتب العاملين بها, إلي جانب تدمير إسرائيل محطات الكهرباء خلال كل عدوان تشنه علي لبنان تستهدف خلاله تدمير منشآت البنية التحتية, مما يعيد كل الخطط لتدبير رأس المال وإعادة تأهيل هذا القطاع بشكل كامل إلي نقطة الصفر. ما بين موسم سياحي واعد وصيف سييء( كهربائيا) تضطر الطبقات الفقيرة لقضاء بعض ساعات الليل والنهار في الظلام, وتزيد أعباء أصحاب الفناق والمحال والمطاعم لاضطرارهم لشراء مولدات كهربية خاصة, لكن زبونهم في النهاية هو الذي يسدد الفواتير, أما أثرياء السياسة والمال والعائلات الكبيرة فمولداتهم الكهربية تعمل ليل نهار.. وبعضهم لا يسدد الفواتير.