برغم أن وزارة الأسرة والسكان هي أحدث الوزارات لكن ما حققته خلال الفترة الماضية أثبت قدرتها علي مواجهة مشكلات المجتمع الصغير( الأسرة) والمجتمع الكبير( السكان). فقد استكملت الدور الذي بدأه المجلس القومي للطفولة والأمومة في مواجهة ظواهر أطفال الشوارع والعنف التي نجحت الوزيرة مشيرة خطاب في إيجاد وعي مجتمعي بها, وقيادة جهود التصدي لها منذ كانت أمينا عاما للمجلس وبعد توليها الوزارة التي ملأت فراغا كبيرا. وبرغم أن السيدة مشرة خطاب حققت الكثير من الأنجازات التي تحسب لها ومنها تعديلات قانون الطفل وغيرها, إلا أنها لم تتحدث عن انجازاتها أو طموحاتها القادمة أو التحديات التي تواجهها للصحافة, ولكنها أثرت أن تجري أول حوار صحفي موسع لها مع أسرة تحرير الأهرام في الندوة التي أدارها رئيس التحرير الأستاذ اسامه سرايا, وكان من أبرز ما قالته أن وجه مصر سيتغير الي الأفضل اذا تمكنا من الحاق جميع أطفالنا بالتعليم, وان الكثيرين قالوا بعد انشاء الوزارة إنها تخدم الرجل أكثر من المرأة, لأنها وزارة للأسرة ككل وللمجتمع كافة, كما أستعرضت في الندوة, التحديات التي واجهتها أثناء إعداد تعديلات قانون الطفل الذي ولد علي يديها, كما وصفت حرمان الأطفال من التعليم بأنه أخطر مشكلة تواجه مصر الآن, كما اعترفت الوزيرة بأن مسئولية وزارتها التشخيص فقط للقضايا المسكوت عنها وليس التنفيذ في بداية الندوة رحب الأستاذ أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام بالوزيرة مشيرة خطاب, وقال إننا في مصر في حاجة كبيرة الي أن نساعد السيدات المجتهدات علي الوجود في مجال العمل العام, مشيرا الي ضرورة دعم الوزيرة, والتعاون معها من أجل إيجاد نسبة من التسامح, فالمجتمعات والشعوب لا تتقدم سوي بالتسامح والقدرة علي العمل الجماعي والعام. وأضاف أن عدم مواجهة مشكلة الزيادة السكانية يشكل خطرا علي المجتمع, وأشاد سرايا بالتجربة التونسية في مواجهة الأزمة السكانية. من جانبه أعربت الوزيرة مشيرة خطاب عن تقديرها لمؤسسة الأهرام, مؤكدة أنها كانت حريصة علي أن تكون الأهرام أول مؤسسة صحفية تدخلها بعد توليها الحقيبة الوزارية وتجري معها حوارا, وأعربت عن اعتزازها بوجودها داخل تلك المؤسسة العريقة, موضحة أنها ليست مؤسسة صحفية فقط فهي جزء من تاريخ مصر, فمن عملوا فيها أسهموا في صياغة فكر الإنسان المصري, مؤكدة أن الأهرام منذ إنشائها وحتي الآن ليست مدرسة علي المستوي الوطني فقط, وانما علي المستوي الإقليمي والدولي. بعد هذه الكلمة بدأت مناقشات الندوة التي نستعرضها فيما يلي: * تشير الاحصاءات الي أن عدد أطفال الشوارع نحو مليوني طفل, وأن هناك خطة لإعادتهم الي النسيج المجتمعي.. ففي إطار مسئولية الوزارة كيف يتم ذلك, ولماذا يزداد حجم الظاهرة خاصة في السنوات الأخيرة برغم إعلان المجلس القومي للطفولة والأمومة عن جهوده للحد من الظاهرة؟ منذ عام2003 وضع المجلس القومي للأمومة والطفولة استراتيجية لمواجهة هذه الظاهرة, وأنشأنا خط نجدة الطفل الذي ساعد الملايين من أطفال مصر.. وقمنا بإجراء احصاءات لأطفال الشوارع في مصر وهي ليست مليونين كما ذكر البعض, فطبقا لما أجريناه من مسح علي المحافظات الكبري كالقاهرة والاسكندرية والجيزة والقليوبية بلغ عددهم نحو8 آلاف و674 طفلا, ثم قمنا بإجراء احصائية ثانية في عام2009 وكانت الأرقام مقاربة حيث بلغت نحو10 آلاف طفل, فطبقا للمعايير الاحصائية الدولية هناك أطفال مقيمون بالشارع بصفة دائمة ليلا ونهارا وهناك من يبيتون مع أسرهم وهناك من يكونون بالشارع لأوقات قليلة يقضونها في اللعب بالشارع. وهنا أريد أن أوضح أن المجلس القومي للطفولة والأمومة يقتصر دوره في مواجهة الظاهرة علي رسم السياسات فقط والمسئولية في ذلك تقع علي عاتق وزارة التضامن الاجتماعي, وأيضا أريد أن أوضح أنه من الضروري ربط الظاهرة بالأسباب والتي تتمثل في التغيرات الكثيرة والعميقة التي طرأت علي تكوين الأسرة, بالإضافة الي العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أدت الي تخلي الأسرة وفشلها في القيام بالدور الإيجابي تجاه أطفالها. واليوم تعديلات قانون الطفل تعاقب الأب الذي يحرم ابنه من التعليم أو الذي يتخلي عن رعايته ويلقيه في الشارع أو يدفعه للعمل.. لكن المشكلة من الذي بقوم بالإبلاغ عن ذلك؟ فالقانون لا يطبق إلا بالإبلاغ للنائب العام ليتمكن من كشف ذلك. * أشرتم الي حرمان الطفلة من سن7 سنوات من خلال لفها بالحجاب في حين أنها محرومة من حقوقها الدنيا كغيرها من البشر( كالتغذية والتعليم والصحة) أكثر من حرمانها من ممارسة طفولتها فما رؤيتكم لذلك؟ نحن اليوم عندنا وضع مقلق للغاية في الحالة التغذوية للطفل, فلدينا نحو1,6 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون الحرمان من الغذاء والصحة وهو ما يتطلب وجود سياسة اجتماعية متكاملة تركز علي العنصر البشري الذي يتعامل مع حقوق الأطفال وتدعيم هذه الحقوق في التعليم والصحة والتغذية والمسكن. ومشكلة الحرمان من التعليم والتسرب من التعليم وتدني جودته من أخطر المشكلات التي تواجهها مصر والتي يتفرع عنها العديد من المشكلات كأطفال الشوارع والأطفال العاملين وزواج القاصرات( الأطفال), ولذا فأنا أؤكد أن الأطفال هم أغلي وأخصب مورد بشري, فالطفل يمكن تشكيله لو أعطيته تعليما علي مستوي راق وأخرج منه أحسن عنصر بشري. عندما أجد طفلة في سن7 سنوات ولا يظهر منها سوي وجهها فإنني أري أن ذلك كارثة لأنني أحرم هؤلاء الأطفال حقهم في الطفولة, ولا أعرف كيف تلعب أو تمارس هذه الطفلة رياضة وهي في هذه الحالة. * لكن لماذا تثار الآن هذه القضايا رغم أننا لم نسمع عنها من قبل؟! اليوم نتحدث عن المشكلات بشفافية والمجتمع يتحدث في كل شيء ونعيش حرية تعبير عن الرأي وهذا الحوار الدائر في المجتمع يأتي بنتائج, ولو تتبعنا نتائج هذا الحوار سنجد أننا نسير ونتحرك للأمام. * وزارة الدولة للأسرة والسكان مسئوليتها التشخيص ولكنها غير مسئولة عن التنفيذ فكيف نقول إن الوزارة نجحت في مواجهة تلك المشكلات؟ علي سبيل المثال, رصدنا في العام االماضي بالتنسيق مع النائب العام نحو9 آلاف و300 حالة زواج قاصرات, ونتتبع الاحصاءات ونمضي في تجميعها, وبخصوص الأطفال العاملين رصدنا في عام2001 وجود2 مليون و780 ألف طفل عامل, ونقوم حاليا برصد واحصاء جديد في هذا الشأن بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء ومنظمة العمل الدولية وأقول بمنتهي الأمانة اننا نعمل علي أرض الواقع وبكل شفافية لنري كمجتمع كيف كنا وما وصلنا إليه الآن, نعم لم نصل لحلول لكن هناك رؤي وجهودا تبذل نتيجة لما طرحناه وصارحنا به, وأقول أيضا هناك علي الأقل قانون الطفل الذي حاربنا من أجل صدوره وهو قانون شمل كل حقوق الطفل والأسرة. وأؤكد أن النجاح في مواجهة تلك المشكلات لن يتوقف علينا فقط وانما يتوقف علي جهود المجتمع, لابد من مساندة المثقفين والإعلاميين والنواب بمجلس الشعب. * إلقاؤك بتحميل البعد الثقافي كل المسئولية في المشكلات المجتمعية التي نواجهها أمر ينقصه جانب من الحقيقة لأن هناك أبعادا أخري تتشارك في ذلك الي جانب البعد الثقافي.. ما ردك؟ الثقافة لها جانب وجزء كبير وأنا عندي حزن كبير في هذا الجانب وأيضا عندي أمل.. فالثقافة هناك ثقافة في بعض القري تجعل أهلها يعتقدون ان الطفلة يجب أن تتزوج في سن12 و14 سنة, وهناك ثقافة ان الطفل يساعد أباه( والده) عندما يتزوج أربع سيدات.. وما أقصده أن هناك أشكالا من العنف تبررها الثقافة السائدة, وهذا هو ما يجب أن نتوقف عنه فورا, والبعد الثقافي ليس كل شيء, فالبعد الاقتصادي مهم جدا, لكنني مؤمنة ومازلت أقول إنه لو كان هناك شيء استطيع القيام به برغم الصعاب فسوف أعمله, ومثلا برغم ضيق ذات اليد سوف أعلم ابني وأوصله لأعلي المناصب, ولهذا أقول ان هناك تداخلا بين الأبعاد الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. * أثيرت بعض الخلافات بشأن تعديلات قانون الطفل.. فما وجهة نظركم في ذلك؟ ومتي ستصدر لائحته التنفيذية؟.. وهل سيتم عرض قانون الإعاقة في الدورة البرلمانية الحالية التي شارفت علي الانتهاء؟ لم تكن هناك خلافات حول القانون انما كانت لدينا فرصة لإجراء حوار وطني حول القضايا التي يتضمنها القانون وهذا كان نوعا من رفع الوعي المجتمعي علي وأنا أعتبر أننا كسبنا فيه وليست هناك أي مشكلة حاليا في كيفية تطبيق القانون, ولا توجد حالات مثارة أمام القانون باستثناء موضوع الولاية التعليمية علي الطفل وهذا هو الخلاف الوحيد القائم حاليا وهو لحالة وحيدة مطروحة أمام المحكمة الدستورية وأنا واثقة بإذن الله من أنها ستحل وتنتهي. أما اللائحة التنفيذية للقانون فقد انتهينا منها وهي في مجلس الوزراء حاليا وستعلن في أي لحظة.. واللائحة تسعي باختصار الي مساعدة القائمين علي تنفيذ القانون في أن يقوموا بتنفيذه وفق رؤية وفلسفة قانون الطفل.. وأنا أدعي أنني أمام قانون ملئ بنصوص مستحدثة وفلسفة جديدة وكلها متشابكة مع بعضها, فالحق في التعليم مرتبط بالحق في الصحة ومرتبط بالحق في ممارسة الرياضة وبحرية التعبير.. فاللائحة التنفيذية تحاول أن تترجم الفلسفة المقصودة وتساعد القائمين علي التنفيذ بحيث لا يقف أمامه وكيل النيابة كما تهدف إلي التسهيل علي عضو لجنة حماية الطفل. وبالنسبة لقانون ذوي الإعاقة فإنني أشك في أن يلحق بالدورة البرلمانية الحالية. * في قضية مواجهة الزيادة السكانية.. لماذا لا تكون هناك حلول غير تقليدية للحد من تلك المشكلة؟ مصر تواجه اليوم مشكلة انفجار سكاني كبير جدا, وأنه في كل دقيقة ونصف الدقيقة يموت فرد, وأنه في كل17,4 ثانية يولد طفل, ومكمن الخطورة هنا هو في الثقافة السائدة, خاصة لدي الفئات الفقيرة وغير المثقفة ولابد من العمل علي تغيير تلك الثقافة, حيث نلحظ أن من هو مستواه الاقتصادي والثقافي والاجتماعي محدود فهو الذي يرغب في زيادة عدد الأطفال, فكلما ازداد الحرمان من التعليم ازداد عدد الأطفال في الأسرة, وهو ما يوضح لنا عند المقارنة من40 سنة مثلا, أن الخريطة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية لمصر تتغير ويفسر أيضا جميع الظواهر التي تحدث الآن من عمالة أطفال وأطفال شوارع وغيرها. والفقر في مصر لم يكن أبدا عيبا, فقد كان عندنا طموح وكان الفقير يتعب ويشقي من أجل تعليم أولاده, وكنا لا نري أطفالا يعملون في ورش أو يقطعون الحجارة من أجل30 جنيها في اليوم ويموتون بالسدة الرئوية وهو في سن20 سنة, وأيضا الرجل الذي يبيع ابنته لمن يأتي ويعطيه6 آلاف جنيه وبعد أسبوعين يتركها, وأري أن ذلك يرجع الي لغة الخطاب السائدة في الإعلام, خاصة المرئي التي تبتعد عن تحديد مسئوليات المواطن وواجباته وتضعه في عداء مع الدولة وتزيد من تطلعاته في انجاب عشرة أطفال, والدولة بعد ذلك تكون مسئولة عن تعليمهم ورعايتهم.. وللأسف هذه هي الردود التي نسمعها من المواطنين, خاصة الفقراء وغير المتعلمين. ومن هنا فإن دور الإعلام يكون في غاية الخطورة في تأصيل تلك المفاهيم التي أدت بنا الي ذلك الانفجار السكاني. الحلقة الثانية بعد غد