تشكل العذراء مريم منهجا روحيا عاليا وبسيطا في نفس الوقت لمعاملات الله مع النفس البشرية التي يختارها الله لذاته لكي يستخدم ضعفها البشر كيما يعلن قوته وعظمته.. مريم العذراء اودعها ابواها في الهيكل نذرا لله وهي بنت ثلاث سنوات وتيتمت, وسنها تسع سنوات, وكان الله يجردها ويخليها من كل معونة بشرية ليعولها الله بذاته ورعايته. تذكر دائما أيها الاخ المحبوب من الله انه عندما يتركك ويهجرك البشر في غربتك وعزلتك, فان الله يكون أقرب اليك وبجوارك أكثر من اي وقت آخر, فالله هو معين من ليس له معين, ورجاء من ليس له رجاء. سر القوة في هذا العالم المادي يظنه البعض انه المال والمركز والحسب والنسب, اما مريم فلم يكن لها شيء من هذا القبيل, ولكن سر قوة هذه الفتاة الفقيرة التي لم تبلغ من العمر أكثر من أربع عشرة سنة هو معية الله التي اعلنها الملاك لها الرب معك.. وقد وجدت نعمه عند الله لو1 28 30 اذا كان الله معك فأنت تمتلك كل شيء وان لم يكن الله معك, فأنت فقير وبائس وعريان ولو امتلكت الارض وكل ما عليها. اياك يا ابي العزيز الشيخ ويا أخي الشاب المحبوب اياك ان تظن ان ما انت فيه من صحة وعافية وطول عمر ونجاة من الامراض هو بسبب قوتك وحكمتك, أو علمك ومالك وقدرتك علي تخطي القارات للوصول بمالك لأمهر الاطباء البشريين.. لالا, بل هو امهال الله وطول اناته وحنانه ورحمته, لان الله ينتظر علينا حتي نتوب, وندرك سر القوة الحقيقية الذي يكمن في اكتشافنا لضعف ذواتنا وفشلنا.. الله لايأتي بأموره المعجزية وقوة عظمته إلا عندما نصل في تجاربنا الشخصية لما اختبره التلاميذ في عرض البحر: يا معلم تعبنا الليل كله ولم نصطد شيئا. ولكن علي كلمتك نلقي الشبكة لو5-5 السيد المسيح لم يولد إلا بعد ليل طويل حالك الظلام, والفترة السابقة مباشرة لميلاد المسيح كانت مليئة بفساد البشر وانتشار الخطية: الجميع زاغوا وفسدوا واعوزهم مجد الله, ووصل البشر إلي حالة من اليأس والقنوط وانقطع الرجاء.. واخيرا في الهزيع الرابع من الليل الطويل, ولد المسيح, ولد الفجر.. ولد النور. اعلم يا أخي المحبوب أن الله لايأتي بالآية والمعجزة إلا عندما ينقطع الرجاء في كل معونة بشرية ونشعر بضعفنا الشخصي, وان الهلاك اصبح قاب قوسين.. السيد المسيح أتي للتلاميذ عبر البحر الهائج ماشيا فوق الماء, عندما كان لسان حالهم.. أما يهمك ياسيد اننا نهلك! العذراء مريم وهي في سن الرابعة عشرة كانت بلا أي امكانات طبيعية تؤهلها لقبول سر الميلاد البتولي, ولم يكن بجوارها رجل, ولذلك الله وحده اعطاها الحبل الآية والمعجزة. الايمان عند العذراء مريم لم يكن ايمانا نظريا ولاكان ايمان الدارسين والمتفلسفين والوعاظ, بل كان ايمانا بسيطا وديعا عمليا.. ايمان الخضوع لارادة الله, وقبول المشيئة الالهية بشكر و قبول كل شيء من يدي الله بالرضا والشكر.