توضيح عاجل من التعليم بشأن تقييمات الطلاب وتقسيم كشكول الحصة والواجب    مركز التحول الرقمي بجامعة جنوب الوادي يجرى اختبارات ل 107 باحثين    وزير الخارجية: المياه مسألة وجودية للدولة المصرية ولا يمكن التهاون بشأنها    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة الاستراتيجي التعبوي التخصصي    إعلان نتيجة تقليل الاغتراب خلال ساعات لطلاب المرحلة الثالثة دور أول وثانٍ    أستاذ ب«جامعة القاهرة»: اتجاه حكومي لرصد حضور وغياب الطلاب إلكترونيًا    بدر عبدالعاطي: رعاية المصريين بالخارج الأولوية القصوى للسياسة الخارجية المصرية    السياحة والآثار تشارك في احتفالية عيد منتصف الخريف الصيني التقليدي    وزيرة التخطيط والتعاون تبحث مع رئيسة بنك الاستثمار الأوروبي آليات تعزيز التعاون المستقبلي    محافظ سوهاج يتفقد قافلة لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة أمام الاستاد الرياضى    السفير الإيطالي يعرض على وزير الرياضة نشر «الباسكن» في مصر    تنظيم معرض لتوزيع الأثاث المنزلى والأجهزة الكهربائية ب5 قرى فى المحلة الكبرى    تراجع تدفق النفط الروسي يدفع الأرباح إلى أدنى مستوى لها في ثمانية أشهر    خطوات إجراءات التعاقد على وحدة سكنية من «التنمية الحضرية» (مستند)    شريف الكيلاني نائب وزير المالية للسياسات الضريبية يلتقى بجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    ماذا نعرف عن قرار مجلس الأمن الدولي 1701 وأهميته؟    جيش الاحتلال ينفي تدمير نصف صواريخ حزب الله    عبدالعاطي: كلمة مصر بالجمعية العامة للأمم المتحدة ستكون شاملة وجامعة    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    وزير العمل: الرئيس يوجهه بمساندة كل عمل عربي مشترك للتنمية وتوفير فرص عمل للشباب    المدعى العام للمحكمة بفلوريدا يطلب توجيه تهم أشد للمشتبه به فى محاولة اغتيال ترامب    نجل مارسيلو يدخل تاريخ ريال مدريد    الزمالك يختتم تدريباته استعدادا لمواجهة الأهلي    ضغوط من اتحاد الكرة لإضافة مدرب مصري لجهاز ميكالي.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    شوبير يعلق على قائمة الأهلي للسوبر الأفريقي: لا صحة لوجود حارسين فقط    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    عامل يذبح زوجته لخلافات عائلية في القليوبية    أمطار وانخفاض حرارة.. الأرصاد تُعلن طقس الساعات المقبلة    ضبط مخزن في طنطا لإعادة تعبئة المبيدات الزراعية منتهية الصلاحية باستخدام علامات تجارية كبرى    إصابة 11شخصا فى حادث تصادم سيارتين بالطريق الزراعى بالبحيرة    بينهم 10 بنادق آلية.. الأمن العام يطارد تجار الكيف والسلاح في 3 محافظات    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    ضبط 404 مخالفات بالمخابز والأسواق فى حملات تموينية بالدقهلية    ضبط متهم بالنصب على المواطنين في الجيزة    سائحون يشاركون فرقة الفنون الشعبية الرقص بساحة معبد دندرة (صور)    توقعات برج الميزان في الأسبوع الأخير من سبتمبر 2024.. ونصيحة للحرص على الأموال    بحث علمي وتعليم وتبادل طلابي.. تفاصيل لقاء رئيس جامعة القاهرة وفدَ جامعة جوان دونج الصينية    محافظ قنا: مناقشة اقتراح اختيار قرية «دندرة» كمقصد للسياحة الريفية    شيرين عبد الوهاب تدعم الشعب اللبناني: "أنا قلبي حزين على أكتر بلد علمتني الفرحة"    مبادرة "بداية".. جامعة بنها تنظم قوافل طبية وبيطرية بالرملة والحصة    زيادة سعر دواء شهير لعلاج نزلات البرد    «أمن الشرقية» تنظم حملة للتبرع بالدم    156 مليون عبوة دواء| بالأسماء.. الأصناف التي تم ضخها من النواقص    إذاعة الجيش الإسرائيلي: سلاح الجو الاسرائيلي بدأ موجة جديدة من الهجمات في لبنان    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    ما حكم الخطأ في قراءة القرآن أثناء الصلاة؟.. «اعرف الرأي الشرعي»    موعد مباراة الأهلي المقبلة أمام القادسية في دوري روشن السعودي    بالفيديو.. أسامة قابيل للطلاب: العلم عبادة فاخلصوا النية فيه    «فرص لوظائف عالمية».. وزير التعليم العالي يهنئ «النيل للهندسة بالمنصورة» لاعتماده من «ABET» الأمريكية    موتسيبي: التمويل سبب أزمة الكرة الإفريقية    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    نجم الأهلي السابق يكشف توقعاته لمباراة القمة في السوبر الافريقي    مريم الجندي: «كنت عايزة أثبت نفسي بعيدًا عن شقيقي واشتغل معاه لما تيجي فرصة»    «الباجوري» بعد تصوير «البحث عن علا 2» في فرنسا: لم أخشَ المقارنة مع «Emily in Paris»    غدا.. افتتاح معرض نقابة الصحفيين للكتاب    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جريمة القرصنة‏..‏ تغير معطيات أزمة الشرق الأوسط
نشر في الأهرام اليومي يوم 12 - 06 - 2010

والآن‏,‏ ماذا بعد أن ارتكبت إسرائيل عدوانها الأخير علي سفن أسطول الحرية وقامت بعملية قرصنة بشعة في عرض المياه الدولية‏,‏ سقط خلالها تسعة قتلي من الناشطين الأتراك الذين كانوا علي ظهر السفينة‏. أثبتت تقارير الطب الشرعي التركي أن معظمهم أطلق عليهم الرصاص عن قرب أكثر من مرة‏,‏ في الرأس والوجه والبطن‏,‏ وبعضهم أطلق عليه الرصاص خمس مرات بما يؤكد الرغبة في القتل المتعمد وليس دفاعا عن النفس‏,‏ خاصة أن الناشطين السياسيين فوق ظهر السفينة رفعوا الراية البيضاء فور سقوط أول قتيل‏.‏
لقد أسفر الحادث عن مضاعفات خطيرة‏,‏ غيرت كثيرا من معطيات الموقف في الشرق الأوسط‏,‏ رفعت مصر من جانبها الحصار عن القطاع وفتحت معبر رفح علي مدي الساعة وأعلنت أن المعبر سوف يظل مفتوحا دون عوائق اذا التزم الطرف الفلسطيني احترام متطلبات الأمن المصري‏,‏ وتصاعدت المطالبات الدولية بضرورة تغيير السياسات الراهنة التي تتعلق بحصار قطاع غزة لأنها فشلت في تحقيق أهدافها‏,‏ وخسرت إسرائيل علاقاتها الاستراتيجية مع تركيا‏,‏ وتزايدت حدة المطالبة داخل الولايات المتحدة كي تعبر سياستها المنحازة لإسرائيل التي باتت تمثل عبئا علي مصالح الولايات المتحدة وأمنها القومي بسبب جرائمها المتكررة التي تكشف عن استهتار بالغ بالشرعية الدولية أثار حفيظة معظم دول العالم لأنها تضع نفسها فوق جميع الأمم وفوق القانون الدولي‏,‏ وأصبح السؤال المهم‏,‏ هل تنجح كل هذه المتغيرات في إلزام إسرائيل تغيير سياساتها الراهنة تجاه الفلسطينيين؟ أم أنها سوف تظل علي موقفها الرافض بينما يتواصل عجز المجتمع الدولي عن إلزامها جادة الصواب‏,‏ وانقاذها من شرور هذا التحالف الثلاثي البغيض‏,‏ الذي يضم إيهود باراك ذا الألف وجه‏,‏ وبنيامين نيتانياهو قطب اليمين الإسرائيلي المتطرف وأفيجدور ليبرمان‏,‏ العنصري الكريه الذي يبغض العالم أجمع؟‏!‏
ويزيد من الإلحاح علي السؤال أن الجميع يعرف أن جريمة القرصنة ضد سفن أسطول الحرية لن تكون الأخيرة في سلسلة الجرائم والمذابح الإسرائيلية التي بدأت بدير ياسين‏,‏ وتكررت في صبرا وشاتيلا‏,‏ وفي مذبحة قانا الأولي وقانا الثانية في جنوب لبنان عندما قصفت المدنيين العزل الذين لجأوا الي أحد مقرات الأمم المتحدة‏,‏ وفي الهجوم الوحشي الذي وقع علي قطاع غزة وأدي الي مقتل‏1400‏ فلسطيني نصفهم من النساء والأطفال‏,‏ وفي كل المرات كانت إسرائيل تدعي أنها ارتكبت عدوانها دفاعا عن النفس لوجود عناصر إرهابية مندسة لهم صلات بالقاعدة‏,‏ وهذا ما حدث أيضا مع أسطول الحرية الذي كان يقل عدة مئات من مثقفي العالم وكتابه وسياسييه بينهم ناشطون يحملون جائزة نوبل ودبلوماسيون أمريكيون وممثلون لجماعات الحفاظ علي حقوق الإنسان جاءوا من كل دول العالم شرقا وغربا تعبيرا عن رفض الضمير العالمي لاستمرار الحصار الظالم علي قطاع غزة‏.‏
وما يزيد من حرج الموقف الإسرائيلي‏,‏ الذي لايزال يرفض رفع الحصار‏,‏ تسانده في ذلك الولايات المتحدة التي تفضل تخفيف الحصار بدلا من رفعه‏,‏ أن الحصار فشل في تحقيق أي من أهدافه برغم مرور أربعة أعوام‏,‏ لم ينجح في إضعاف قبضة حماس المنفردة علي السكان في غزة‏,‏ أو تهيئة الوضع الداخلي بما يحفز أهل القطاع علي رفض سيطرة حماس وإعلان تمردهم علي سلطتها‏,‏ أو إلزامها قبول المصالحة مع فتح لصالح وحدة الموقف الفلسطيني‏,‏ علي العكس‏,‏ أدي الحصار الي تعزيز سلطة حماس‏,‏ وساعدها علي الإبقاء علي مليون ونصف المليون فلسطيني رهينة سلطتها المنفردة‏,‏ وزاد من عذاب الشعب الفلسطيني في غزة الذي يعيش‏80‏ في المائة منه تحت خط الفقر‏,‏ وربما تكون حماس قد أحسنت استثمار الحصار لزيادة شعبيتها في معظم دول الشرق الأوسط‏,‏ وجذب تعاطف عديد من مؤسسات المجتمع المدني في الغرب‏,‏ برغم أنها تمارس أقصي صور العنف ضد السكان وضد خصومها السياسيين في القطاع‏,‏ سواء كانوا من فتح أو من منظمات أصولية أكثر تطرفا تنازعها السلطة في بعض المناطق‏,‏ لأنها لا تفاوض ولا تقاوم وتتمسك بالتهدئة مع إسرائيل‏,‏ وما يزيد من قبح الموقف أن الحصار ازداد قسوة بعد حادث اختطاف الجندي جلعاد شاليط‏,‏ وبات ينطوي علي منع دخول مواد أساسية عديدة يصعب بدونها استمرار الحياة‏,‏ فهناك قصور في مواد الغذاء والأدوية‏,‏ وحظر كامل علي دخول الأسمنت والحديد لمنع أهالي القطاع من إعادة بناء دورهم المدمرة‏,‏ وقيود صارمة علي دخول البترول اللازم لتشغيل محطة الكهرباء وجميع ذلك جعل الوضع في قطاع غزة كارثيا بكل المقاييس‏,‏ ولايزال الثلاثي البغيض‏,‏ باراك ونيتانياهو وليبرمان‏,‏ يرفضون رفع الحصار بدعوي أن رفع الحصار سوف يحيل غزة الي ميناء لتصدير الأسلحة والصواريخ الإيرانية الي داخل الأراضي المحتلة‏,‏ برغم موافقة الاتحاد الأوروبي علي أن يتولي تفتيش السفن الداخلة الي ميناء غزة لضمان عدم تهريب الأسلحة الي الأرض المحتلة‏,‏ لكن إسرائيل ترفض الاقتراح الأوروبي‏!‏
وما من شك أن الفشل الذريع الذي منيت به عملية الاستيلاء علي سفن أسطول الحرية وانفجار موجة واسعة من الغضب علي امتداد العالم أجمع ضد صلف إسرائيل التي تتصور نفسها فوق القانون وأنها عاجزة برغم تكرار جرائمها واستخدامها المفرط للقوة عن السيطرة الكاملة علي الموقف‏,‏ وإلزام الفلسطينيين قبول استمرار احتلالها لأراضي الضفة‏,‏ كما أن استخدامها المتزايد للعنف بات ينتج آثارا عكسية يصعب علي إسرائيل احتواؤها‏,‏ لأنها زادت من قوة حماس بدلا من إضعافها‏,‏ ومرغت سمعة إسرائيل في التراب‏,‏ ومع الأسف لايزال الثلاثي البغيض الذي يمثل التحالف الحاكم عاجزا عن أن يدرك الضرورات التي تلزم إسرائيل تغيير سياساتها الراهنة‏,‏ يرفض رفع الحصار ويناور من أجل الهرب من حل الدولتين‏,‏ ويتصور أن القوة هي الحل‏,‏ بما يزيد من احتمالات تصاعد الموقف الي ذري مخيفة بعد أن أصبحت إسرائيل عاجزة عن أن تري حجم التغير الجوهري الذي طرأ علي معطيات كثيرة في الشرق الأوسط‏,‏ وجعلها تفقد في غضون العقود الثلاثة الأخيرة أكبر حليفين إقليميين لها‏,‏ إيران بعد سقوط حكم الشاه‏,‏ وتركيا التي تربطها بإسرائيل علاقات استراتيجية يصعب أن تعود الي سابق عهدها‏,‏ فضلا عن التغير الجوهري في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي واحساس الأمريكيين المتزايد بأن إسرائيل قد أصبحت عبئا علي الأمن القومي الأمريكي وخطرا علي المصالح الأمريكية يهدد أمن جنودها في الشرق الأوسط‏.‏
وربما يكون واحدا من أهم نتائج عملية القرصنة الإسرائيلية التغير المهم الذي طرأ علي العلاقات الإسرائيلية التركية‏,‏ ليس فقط لأن الإغارة علي أسطول الحرية المشمول برعاية تركية مس كرامة الأتراك الذين يتطلعون الي دور أكبر في المجالين الإقليمي والعالمي الي حد أن وزير الخارجية التركية أوغلو اعتبر حادث القرصنة مماثلا في أثره علي السياسة التركية تجاه إسرائيل لحادث نسف برجي التجارة في نيويورك وأثره العميق علي سياسات أمريكا في الشرق الأوسط‏,‏ ولكن لسبب آخر أكثر أهمية يخلص في أن تركيا التي ترتبط الآن بعلاقات صداقة مع سوريا‏,‏ وتسعي الي تحسين علاقاتها مع إيران‏,‏ وتحاول الاقتراب مرة أخري من العالمين العربي والإسلامي‏,‏ وتنتهج سياسة تصفية الخلافات مع كل جيرانها‏,‏ تعتقد أنه آن الأوان لكي تتبني سياسة أكثر توازنا في علاقاتها مع إسرائيل‏,‏ تعزز دورها المتعاظم في الشرق الأوسط‏,‏ وتتوافق مع وضعها الجغرافي والتاريخي الذي يلزمها أن توازن بين ضرورات الحفاظ علي هويتها كدولة إسلامية وحرصها علي أن تكون ضمن دول الاتحاد الأوروبي وتلبي نداء داخليا قويا يستجيب له أغلبية الشعب التركي الذي لايزال يعتز بدينه الإسلامي برغم علمانية الدولة‏,‏ الأمر الذي ظهر واضحا في المظاهرات الضخمة التي خرجت تساند سياسات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان‏.‏
صحيح أن تركيا لن تذهب بعيدا عن حبلها السري الذي يربطها بالولايات المتحدة وحلف الناتو‏,‏ وربما يؤدي خلافها الراهن مع إسرائيل الي إرباك السياسة الأمريكية في علاقاتها مع حليفين تتضارب مصالحهما‏,‏ لكن الصحيح أيضا أن الغرب ربما يجد في الموقف التركي الجديد ما يساعده علي تطويع إسرائيل التي تكابر وتعاند في الالتزام بحل الدولتين‏,‏ فإذا أضيف الي جميع ذلك أن السياسات التركية الجديدة تعزز مصالحها الاقتصادية في المنطقة التي تضاعفت عدة مرات في غضون السنوات العشر الأخيرة‏,‏ يصبح مفهوما لماذا يصعب أن تعود العلاقات التركية الإسرائيلية الي سابق وضعها؟‏!‏ خاصة أن الإسرائيليين لم يقصروا في ردود أفعالهم علي الموقف التركي في التعبير عن كراهيتهم الشديدة لرئيس الوزراء أردوغان‏,‏ وقلقهم المتزايد من استمرار حزبي العدالة والتنمية في السلطة‏,‏ ونجاحه في التقليل من نفوذ العسكر‏,‏ وتحقيق معدلات عالية للتنمية زادت من صلابة قاعدة الحزب الشعبية‏.‏
وربما يكون الأمريكيون في ظل إدارة أوباما هم أكثر الأطراف الدولية إحساسا بالحرج والضعف والارتباك والحيرة من جراء حادث القرصنة الإسرائيلي‏,‏ لأن الحادث كاد ينسف فرص التفاوض غير المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين الذي بدأه جورج ميتشيل‏,‏ وكان يمكن أن تكون له آثاره السلبية علي قضية فرض عقوبات جديدة علي إيران‏,‏ فضلا عن ردود أفعال العرب المتباينة التي دفعت بعض الدول العربية الي المطالبة بسحب مبادرة السلام العربية ردا علي صلف الموقف الإسرائيلي‏,‏ وزادت من حنق الآخرين علي إدارة أوباما لعجزها الواضح عن الزام إسرائيل جادة الصواب‏,‏ يضاف الي ذلك حدة الخلاف التركي الإسرائيلي الذي كاد يصل الي حد قطع العلاقات الدبلوماسية‏,‏ وكلاهما حليف لصيق بواشطن ينشد مساندتها له في هذا النزاع‏..‏ والثابت أن إدارة أوباما حصدت خلال هذه الأزمة نتائج ضعف وتردد سياساتها في الشرق الأوسط‏,‏ وعجزها عن تحقيق ما وعد به الرئيس الأمريكي‏,‏ رفضت واشنطن ادانة تصرف إسرائيل وذهبت الي حد مساندتها في أن تتولي بنفسها إجراء تحقيق في حادث القرصنة برغم قرار مجلس الأمن الذي يطلب إجراء تحقيق نزيه وشفاف ومحايد‏,‏ الأمر الذي لقي معارضة واسعة من العالم أجمع‏,‏ عبر عنها سكرتير عام الأمم المتحدة بان كي مون الذي طلب إجراء تحقيق دولي رفضه بنيامين نيتانياهو مؤكدا أن لجنة التحقيق سوف تكون إسرائيلية يشارك فيها مراقب أمريكي تختاره واشنطن وأن اللجنة لن تستجوب أي ضابط أو جندي إسرائيلي شارك في عملية الهجوم علي أسطول الحرية‏.‏
والواضح من الدلائل العديدة لحادث القرصنة الإسرائيلي‏,‏ يؤكد تغير معطيات أساسية في الموقف في الشرق الأوسط‏,‏ تفرض ضرورة تغيير السياسات الراهنة التي أثبتت فشلها في تحقيق أي إنجاز‏,‏ لأن القوة مهما تعاظمت لا تصلح لفرض الأمر الواقع‏,‏ ولأن ضجر المجتمع الدولي قد بلغ الحافة من تكرار جرائم إسرائيل التي تعتبر نفسها فوق الأمم وفوق القانون الدولي‏,‏ ولأن العالم يتغير من حول إسرائيل وإسرائيل لاتزال علي جمودها يركب رأسها العناد‏,‏ وتلتزم سياسات خاطئة تؤدي الي المزيد من الكوارث‏,‏ وهي برغم جعجعة رئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو في أضعف حالاتها‏,‏ تعاني عزلة متزايدة بسبب تصرفاتها وليس لأن الجميع يعادون السامية‏,‏ وتخشي من حدوث تغيرات في الموقف الأمريكي بعد أن أصبحت عبئا علي الأمن القومي الأمريكي‏.‏
ولا أظن أن الموقف الصحيح يكمن في أن نلوم إدارة أوباما‏,‏ لأنها يمكن أن تقصر في اقتناص فرصة متاحة لإحداث تغيير حقيقي في سياسات واشنطن في الشرق الأوسط‏,‏ تلتزم الحفاظ علي أمن إسرائيل وليس حماية عدوانها علي أرض الآخرين وتكريس سلطتها الغاشمة علي الأرض المحتلة‏,‏ وانما يكمن الموقف الصحيح في أن نلوم الموقف العربي الذي يتقاعس عن القيام بمسئولياته‏,‏ بعد أن ثبت أن العرب يستطيعون فرض احترام حقوقهم علي الآخرين متي توحدت ارادتهم السياسية‏,‏ واذا كان العرب قد نجحوا أخيرا في إلزام الولايات المتحدة الخروج عن النص‏,‏ ومساندة قرار دولي يطالب بإخضاع منشآت إسرائيل النووية للتفتيش الدولي‏,‏ فإنهم يستطيعون متي توحدت ارادتهم السياسية أن يلزموا الأمريكيين والإسرائيليين معا احترام حقوقهم في سلام عادل ومتكافئ يمكن الفلسطينيين من إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية‏,‏ دون أن يرفعوا رايات الحرب أو شعارات فقط يقفون علي أقدامهم وقفة رجل واحد بدلا من أن يتبددوا هباءا كالعهن المنفوش‏.‏

المزيد من مقالات مكرم محمد أحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.