بعد تسع سنوات في الغربة في واشنطن العاصمة, رجعت أنا وأهلي لمصر لنتلقي الرعاية الطبية بها؟ هل تعلمون أن تكلفة الطيران لي ولأسرتي من واشنطن ثم الكشف الطبي الكامل في مصر أرخص من علاج ضرس واحد في أمريكا. هل تعلمون ان في علاج الاسنان في أمريكا, اذا لم يكن لك تأمين فالطبيب ينصح بخلع الضروس كأرخص حل وليس كأفضل حل طبي بدلا من العمل علي ابقاء أسنانك سليمة. هل تعلمون أن أي مضاد حيوي يستطيع بواب عمارة في أفقر حي بالقاهرة التوجه لاقرب صيدلية والحصول عليه لابنه المريض في مصر, يكلف المضاد نفسه مئات الدولارات في أمريكا, ولا تستطيع الحصول عليه إلا بروشتة مسبقة من طبيب تكلفك في ذاتها المئات من الدولارات؟ كلفة المخدر في أمريكا لعملية جيوب أنفية بسيطة علي المريض1500 دولار علي الاقل يتحملها كاملة. أما كلفة العملية بالكامل بقيمة الطبيب والمستشفي والتخدير في مصر لا تزيد علي4000 جنيه علي أقصي تقدير بأفضل مستشفي. قد يقول البعض الدخول والمرتبات هناك كبيرة. نعم هي كذلك ولكن الكلفة الصحية كبيرة كذلك. بل انها تؤدي بالبعض الي الافلاس هناك ومحو مدخراتهم. إن الرعاية في أمريكا باهظة التكاليف بشكل مخيف وأعلم علم اليقين أنه اذا لم يكن لك ما يكفي من الاموال للدفع للاطباء فإنك تعاني بشدة لتلقي أي رعاية في أمريكا. وإذا تلقيتها بدون أتعاب, كانت عليك ديون هائلة بدون تأمين صحي فيما بعد توضع علي تاريخك الائتماني وتعقد لك حياتك في المستقبل. وإذا أردت أن تدفع لك الحكومة الامريكية كلفة العلاج فعليك بما لا يدع مجالا للشك اثبات فقرك المدقع, وعدم قدرتك علي الدفع. في أي وقت, تريد أن تذهب للطبيب في مصر فيمكنك أن تفعل فورا. قد تكون أوجه الممرضين في مصر عابسة وشعرهم ليس أصفر وهم غير مدربين, لكنك في مصر في نهاية المطاف تستطيع أن تري الطبيب في نفس يوم حدوث مرضك, خصوصا في الحالات غير المستعصية أو الحرجة. أما في أمريكا, أغني بلد في العالم, فلا يمكنك زيارة الطبيب إلا بميعاد سابق قد يستغرقك أسبوعين أو أكثر تقضيها وأنت تتلوي من المرض. وإذا كنت بحاجة إلي رعاية طبية ملحة وسريعة فليس أمامك إلا غرف الطواريء في المستشفيات. والطواريء في أمريكا, وما أدراك ما الطواريء, تكلفك في أدني زيارة800 دولار بدون تأمين, وغالبا ما تكون خدمة الطواريء للتسكين وليست للعلاج الكامل. هناك40 مليون أمريكي علي الاقل بدون تأمين صحي لا يستطيعون زيارة طبيب. وفي مصر علي الاقل يمكنكم رؤية الطبيب بأي حال حين تريدون. الطبيب في أمريكا يعد الدقائق معك ولا يقدم لك خدمة شخصية ولا يستمع اليك بود. فأنت أمامه كالماكينة لك وقت محدد فلا تشعر بالعطف الذي يحتاجه كل مريض. قارن ذلك بأطباء مصر ومستشفياتها التي تذكرك بثواب الصبر علي المرض وثواب عيادة المريض والعطف عليه بل وخفة دم المصريين التي تضع البسمة علي شفاه المريض. الطبيب في أمريكا مهمته انقاذ نفسه من أية قضايا تعويض أولا, ثم انقاذك ثانيا. فيثقل كاهلك أنت بتحاليل غير ضرورية ومراجعات بعضها لا يمت للحالة بصلة فقط لدرء شبهة الاهمال والمقاضاة عنه. لك أن تفكر لو أن دخلك بسيط وأنت تعيش في أمريكا. نعم بعض مستشفياتنا الحكومية كئيبة المنظر. وهذا أمر بحاجة لتصحيح. رعاية الامراض الخطيرة والمستعصية ضعيفة ولا ترقي لمستوي رعاية الدول الغنية, وهذا بحاجة الي حلول. هناك اهمال في بعض الامور المتعلقة بالرعاية الصحية وهي كلها تحتاج لمراجعة وحلول قوية. لكن كل هذا يجب أن يتم بتوجيه النقد في جو متحضر من النقاش الراقي وبحرص علي مصلحة المجموع. للمعارضة المصرية الحق في اثارة أوجه القصور في المجتمع. ولكن ليس لهم الحق في اساءة إرشاد العامة بمعلومات مبتورة عن تفوق الآخرين علينا, وبث روح اليأس والمعاناة التي اشهدها كلما جئت هنا. لماذا أنتم ناقمون هكذا؟ انظروا الي ما بأيديكم من نعم وخدمات. لمصلحة من يتم تحويل مصر الي هذا المكان البائس الساخط الناقم علي كل شيء حتي علي النعم الكثيرة التي بين أيديهم؟ هذه ليست دعوة لعدم تحسين ما لدينا. هذه شهادة حق للخير بين أيدينا ولا ندرك قيمته. هذا ليس دفاعا عن الحكومة أو عن حزب بعينه ولكن دفاعا عن روح مصر الخالدة. عن الأمل في نفوس الشباب. دفاعا عن عزيمتنا التي يجب أن تتوحد علي قلب رجل واحد. دفاعا عن مستقبلنا انه عن أعظم دولة عرفها التاريخ بجميع عصوره شئتم أم أبيتم. فرفقا بمصر يا معارضة مصر ورفقا بأنفسكم يا أهل مصر الطيبين.