لقد كشفت الأحداث الأخيرة في إيران عن ان حركة المعارضة الإصلاحية قد اصبح لها زعماء من بين علماء الدين. فضلا عن رافسنجاني وكروبي, هناك آيات الله ابراهيم أميني وموسوي أردبيلي ويوسف صانعي وبيات زنجاني وشبيري زنجاني, اضافة الي طاهري اصفهاني, ويسعي ائتلاف الاصلاحيين المعارضين الي اقتفاء آثار آية الله منتظري, وان تتسع الحركة الاصلاحية, بحيث تبدو في شكل ثورة مخملية, أو محاولة انقلاب من داخل النظام للإطاحة بالأصوليين, سواء من رئاسة الجمهورية أو السلطة التشريعية وربما زعامة النظام, والجديدالذي قدمته حركة المعارضة الاصلاحية خلال الاحداث هو استخدام نفس آليات الثورة الإيرانية خلال العقد السابع من القرن الماضي, وهي الآليات التي دعا اليها آية الله الخميني زعيم الثورة الي استخدامها, أي استغلال المناسبات الدينية والمذهبية الحزينة في إاذكاء روح الثورة والتمرد, مثل احداث الوفاة أو الاستشهاد للأئمة وعلماء الشيعة, وإحياء مناسبة عاشوراء, حيث استشهد الإمام الحسين دفاعا عن الإسلام والنظام الاسلامي. فكانت استفادة حركة المعارضة من حادث وفاة آية الله منتظري ومن الاحتفال بذكري استشهاد الامام الحسين في عاشوراء استفادة من آليات النظام بأسلوب معاصر, فقضية استشهاد الحسين قضية مطروحة بصورة ملحة في الفكر الشيعي ويعالجها المفكرون بمختلف انتماءاتهم, وكانت اعادة صياغة فكرة التعزية إحدي الخطوات الموفقة لعلماء الثورة, فقد ساندتهم النخبة في ذلك, حيث لايرون ما يمنع من معالجة قضايا إيران من خلال التعزية, وترتب علي ذلك ان اصبح التظاهر في أي شكل من اشكاله احد عناصر القوة واكثرها اصالة, وتمرست قيادة الثورة في دفع الجماهير الي الشارع, وإفشال القوي الحكومية قبل الحادي عشر من فبراير1979, وقوي المعارضة بعد هذا التاريخ من ان تنال من حركة الثورة الاسلامية, ومع مضي الوقت كان النظام الحاكم يدفع الجماهير الي الساحة في كل مناسبة لتأكيد الدعم الجماهيري للنظام. من ثم جاءت استفادة المعارضة الإصلاحية من نفس الآلية مع تفجر ازمة الانتخابات ومع وفاة آية الله منتظري, ومع حلول شهر المحرم وبدء مراسم التعزية, وكانت فرصة للإصلاحيين لإظهار قوتهم ومدي شعبيتهم وكان خروج الملايين بدعوة من الاصلاحيين دليلا علي نجاحهم في إظهار القدرة علي تعبئة المعارضة, فأصبحت مشكلة النظام الحقيقية مع المعارضة انها اكثر انسانية ورحمة من القيادات الأصولية علي النخبة سواء كانوا مؤيدين أو معارضين, وتمكنت الحركة الاصلاحية من ان تطرح مشروعها الثقافي الذي يسعي الي تطوير الفكر الثقافي سواء في الحوزة الدينية أو الجامعات أو المؤسسات الثقافية, مؤكدا ان الاصلاح الثقافي يهدف الي إصلاح مفاهيم وبني وقواعد الحياة في ايران الاسلامية, ولذلك فإن قوي الإصلاح تريد تغيير الدم في عروق النظام ببنية اقوي ونشاط أوفر, وتحويل شعار الجمهورية الإسلامية الي واقع مضيء للعقل الوطني والنظرة العالمية, واعادة تنظيم العلاقة بين النظام الديني والمجتمع العالمي بحيث يصبح الاصلاح استراتيجية قومية اسلامية. اكتشفت قيادات النظام ان الآليات التي استخدمتها المعارضة سحبت البساط من تحتها وأوقعتها في حرج شديد, وادت الاحتجاجات المستمرة والعنيفة الي أسوأ أزمة داخلية تشهدها منذ قيام الثورة الاسلامية عام1979, وشددت السلطات الأمنية من حملتها علي المعارضة, حيث قتل8 اشخاص من بينهم ابن شقيق موسوي خلال احتجاجات عنيفة في الاحتفال بيوم عاشوراء, واتهم علماء الدين المحافظون زعماء المعارضة بالخيانة وإثارة الاضطرابات, وطالبوا باعتقالهم بل وإعدامهم, واعتقلت السلطات الايرانية ما لا يقل عن20 من شخصيات المعارضة من بينهم3 من كبار مستشاري موسوي وصهره وشقيقته شرين عبادي الحاصلة علي جائزة نوبل للسلام. وهكذا اضطرت ان تقف موقف المعارض لا موقف الحاكم, فتسير المظاهرت المؤيدة وساعد اتخاذ هذا الاسلوب النظام علي ان يحتوي الموقف مؤقتا ويسعي لتقديم تنازلات للمعارضة, في الوقت الذي عالجت فيه المعارضة خطأها, لأن النخبة من المثقفين هي التي كانت تقود المظاهرات, ولس علماء الدين أو قادة المعارضة, ولما كنت اهداف وتوجهات النخبة ليست واحدة سواء من حيث النظرة للنظام او من حيث الفكر الذي يوجه البرامج المعدة سلفا للتنفيذ, سمحت المظاهرات للشذوذ عن الحركة الأصلية, وممارسة الشعارات المتطرفة, واتخاذ السلوك العنيف لذلك اصدرت قيادات المعارضة البيانات المعتدلة, واهمها بيان مير حسين موسوي ذو البنود الخمسة الذي أدان فيه أحداث شغب عاشوراء ومساسها بالذكري المذهبية العظيمة. وتكشف مبادرة موسوي المكاسب التي حققتها المعارضة اخيرا, فقد اكد الرجل ان ايران في ازمة خطيرة, يلزمها اعتراف الجميع بها, ليتحملوا مسئولياتهم في حلها, في إشارة الي تقسيم الأخطاء التي أدت الي حالة التوتر والاحتقان منذ إجراء الانتخابات الرئاسية في يونيو الماضي بين السلطات الحاكمة والمعارضة, بمعني عدم إلقاء المسئولية علي المعارضة الإصلاحية وحدها, وان يقدم كلا الطرفين تنازلات من اجل الحل, وحثت المبادرة علي الإفراج عن المعارضين وأنصارهم الذين تم اعتقالهم خلال الاحتجاجات علي نتيجة الانتخابات, وتعديل القانون الانتخابي بما يضمن إجراء انتخابات مستقبلية نزيهة, ورفع القيود عن الإعلام, وإتاحة حرية التجمع للناس بشكل قانوني للتعبير عن مطالبهم والسماح للأحزب بالعمل في حرية, ولفت الي ضرورة اعتراف الحكومة بالوضع الذي تعانيه البلاد, في الوقت الذي رفض موسوي فيه مطالب خصومه بأن يتراجع عن اتهامه لهم بتزوير الانتخابات, وقد خفف ذلك باعتراف ضمني بحكومة احمدي نجاد. وهي صفقة ذكية حققت مكاسب واضحة للمعارضة تجلت في ردود فعل متباينة داخل المعسكر الأصولي, فقد اكد عماد افروغ ان من الضروري الاستماع لرأي المعارضة وإتاحة الفرصة للتعبير عن الآراء المختلفة لما فيه إثراء لحركة الثورة والنظام, واكد محسن رضائي في رسالة الي الزعيم خامنئي انه بالرغم من تأخر مبادرة موسوي إلا انه ينبغي النظر اليها بجدية, لربما تصبح بداية لحركة نحو الوحدة الوطنية, وتقدم البلاد وانهاء فترة القلق والتوتر التي تسود الساحة السياسية. ومع تأكيد وزارة المعلومات( المخابرات) علي موقفها الحازم ضد مثيري الفتنة إلا انها تعللا بالاصول الدينية سوف تعطي الفرصة لكي يتمايز الحق عن الباطل وانقشاع غبار الفتنة إتماما للحجة, وفي هذا السياق صدرت فتوي آية الله جوادي آملي بمعاقبة المعارضين قانونا, علي ان يتم تمييز المجرم من غير المجرم وعدم إحراق الأخضر مع اليابس.