تصحو ذات صباح مشرق صاف جميل.. لاتدري لم أنت مختنق الروح محتقن القلب بالكآبة والكدر ومالا أول له ولا آخر من الهموم.. تذهب إلي عملك تجد قطرة في محيط هادر من الغاضبين أمثالك بلا سبب واضح لديهم أيضا. لتغرق في شلالات المشكلات الوظيفية والمهنية وتعود بعدها إلي البيت بقايا إنسان وأشلاء روح خبت شعلتها ونفدت بالكامل طاقة بطاريتها ممنيا النفس بإعادة شحنها في المساء استعدادا لمعركة الغد.. فماذا يحدث في هذا المساء.. وكل مساء؟ تقوم من قيلولة الأصيل لتتصفح الجرائد المشطشطة إياها تمزقك نصال سطورها تمزيقا بكل هذه الفواجع السوداء فتبتعلها بلا أدني غربلة أو تمحيص لكي تفرز القليل الحقيقي منها, من الأغلب المفبرك غالبا.. فتفرك عينيك سائلا الأولاد مين اللي طفي النور؟ ماتعرفش.. فتذهب لإضاءة النور المضاء أملا ثم ترتمي علي الكنبة متخشبا أمام الصنم المنزلي الجبار التليفزيون لتتقاذفك أمواج برامجه المسائية والليلية التوك شو مابين صخور أخبارها الدامية وبراكين خناقات مقدميها وضيوفها ومداخلات مشاهديها وجميعها تفور بالغضب والإحباط واليأس المرير.. كأنما لم تعد هناك أدني بارقة أمل في الحياة!! ولا عاد هناك أي شئ جميل علي الإطلاق.. ولسوف تظل تنتقل في توتر وعصبية متزايدين من توك شو إلي ثان وثالث وعاشر عسي أن تجد في أي منها بعض الرحمة بك وبأعصابك المحترقة.. ولكن هيهات.. أنت الآن تماما كمن قال القائل: المستجير بعمرو عند كربته.. كالمستجير من الرمضاء بالنار, وهنا ربما تحسب الخلاص في أن تلوذ بإحدي فضائيات هذا البيزنس.. والتي سوف يبشرك صاحبها ومقدمها السمح الوقور بأن كل ماتفعله أو لاتفعله في دنياك حرام في حرام حتي إذا مت فمآلك الجحيم إلي أبد الآبدين.. فتقفز عائدا إلي مولد التوكشوهات هذا وهلم جرا! أما لماذا لاتنفذ بجلدك وتنقذ نفسك وروحك من هؤلاء الذين اتخذوك رهينة أبدية, جاءتهم طوعا ومجانا فيدمرون أعصابها ويسودون عيشتها بكل هذا الكرب والنكد والتكدير المسبك والمفتعل في أغلب الأحيان ليجنوا من ورائها الملايين نظر إصابتك بالاكتئاب والهلاوس؟؟ فلأنك قد أصبحت بالفعل ودون أن تدري مدمنا تعاطي برامج النكد هذه التي عفا عليها الزمن واختفت أو تكاد من تليفزيونات العالم. ماعدا بالطبع جزيرة الغضب إياها المثل الأعلي الذي يتقاتل فيه الجميع في محاولة يائسة لتقليده.. وحلت محلها عالميا برامج هادفة جادة تنير ولاتحرق.. تركز علي إيجاد الحل للمشكلة وليس مجرد التلذذ بمضغ الجراح.. تضئ ولو شمعة بدلا من الاكتفاء بلعن الظلام. إنقذ نفسك.. فلن ينفعك أحد من هؤلاء وأنت تتسول تكاليف علاج الاكتئاب وأدويته الباهظة الثمن وإلي أن يجد في الأمور جديد.. فغالبا سوف تواصل التلذذ بهذه الجرعة اليومية من الإحباط والغضب.. بل وتطلب منها المزيد.. لتصحو كل صباح مشرق جميل تسأل الأولاد: هي الدنيا ضلمة كده ليه؟! د. سراج الدين الحلفاوي