كرة القدم واللحم والبن والشاي والصين حلول لشفرة حوض النيل! ** تحدثت الأسبوع الماضي عن قضية الساعة وكل ساعة فيما هو قادم إلي أن يأمر الله أمرا كان مقضيا... كتبت عن قضية حوض النيل القائمة من سنوات ونحن فقط الذين لا نريد أن نراها وكأن إغماض عيوننا يلغي وجودها وهي موجودة وقائمة وتكبر وتتضخم إلي أن أطلت علينا وأرغمتنا علي رؤيتها بقرارات منفردة لخمس من دول حوض النيل جلست وقررت وأعلنت... قلت الأسبوع الماضي إنه يمكن أن يكون للرياضة وكرة القدم تحديدا دور في معركة حوض النيل السياسية.. ودللت علي اقتراحي بأحداث وقعت قبل سنوات في إثيوبيا خلال مباراة كرة ولم يتوقف أحد آنذاك هنا وكأنها لم تحدث.. أهملناها ولم نفكر في رصد ما حدث ولو فعلنا ما كنا وصلنا إلي ما نحن فيه اليوم والذي نحن في مواجهته أراه واحدا من أصعب التحديات في تاريخ الوطن لأننا أمام خطر يهدد حياة وطن واللعبة التي تتم شكلها قرارات منفردة لدول في حوض النيل لكن مضمونها يوضح أن وراء الأمر أمورا وأن أطرافا أخري هي التي تحرك الأمور وأن الكلام والتفاوض والدبلوماسية أمور مقدور عليها فيما لو كانت حقا مع الأطراف الظاهرة في الصورة... قلت ما قلته من ست سنوات وقت أن وقعت أحداث مباراة إثيوبيا ومصر وحذرت من أن الصهاينة يعبثون في المنطقة وذكرت أنهم استخدموا الكرة مدخلا يكسبون به الرأي العام الأفريقي وأنهم أنشأوا مدارس كروية هناك للأطفال وأنهم أرسلوا مدربين وأدوات وملابس وأنه لابد من التحرك ولابد من فتح أبواب المركز الأوليمبي بالمعادي ليكون معسكرا تدريبيا للمنتخبات الأفريقية نستضيفهم فيه يقيمون به ويتدربون عليه ويلعبون مباريات احتكاك مع الأندية والمنتخبات المصرية في المراحل السنية المختلفة وعندنا من الفرق التي تصنع احتكاكا مفيدا للمنتخبات الأفريقية... وقتها قلت بالحرف الواحد في عنوان كبير أمن مصر القومي يبدأ من المعادي ومن سنة بالضبط كررت نفس العنوان وكتبت في هذا الاتجاه ربما يعيرنا أحد ويسأل علي سبيل الاستفسار.. لكن ولا جهة مسئولة تحركت أو حتي كلفت خاطرها أن تناقش كلمة واحدة مما كتبته قبل ست سنوات وقلته وأكدته من سنة... والأسبوع الماضي كتبت لأن القضية تفجرت وما تعاملنا معه بترفع وتجاهل سنوات بات خطرا والخطر داهم مع احترامي الكامل لكل التصريحات الصادرة عن المسئولين وكلها تحمل صيغة التبسيط في قضية لا تقبل تهوينا ولا تتحمل تهويلا.. قضية علينا أن نعمل لها ألف حساب وأن تكلف كل الجهات بوضع حلول لكل الاحتمالات... والذي سجلته الأسبوع الماضي انضم لما كتبته قبل ست سنوات ومن سنة.. ولا حس ولا خبر وكأنني أتحدث مع نفسي والتجاهل لا غرابة فيه بعدما أصبح من مفردات حياتنا وإن كان الأمر هذه المرة يختلف عن أي مرة لأنها ليست قضية رياضة أو قضية داخلية إنما هي خطر داهم يواجه وطنا بأكمله... ولا جهة رسمية اهتمت والردود التي وصلتني منا.. من الشعب الذي بدأ يستشعر الخطر رغم سيول الطمأنة... اخترت من بين ما وصلني من رسائل هذه الرسالة للمهندس سمير محمد أبوسبع المدير السابق لفرع المقاولون العرب في كمبالا عاصمة أوغندا.. وتدور رسالته حول هذه النقاط: 1 المقاولون العرب عثمان أحمد عثمان قررت في أواخر التسعينات فتح سبعة فروع لها في أفريقيا واختصت دول حوض النيل بالأفضلية وتم اختياري مديرا لفرع كمبالا وبعد استقراري وجدت هناك شركة النصر للتصدير والاستيراد تلفظ أنفاسها الأخيرة والنشاط محدود للغاية لمجرد تغطية مصروفاتها ومدير الفرع الأستاذ الفاضل حسين نفادي ويعاونه الأستاذ فتحي العسكري وهما من الشخصيات المصرية الممتازة.. لكن مشكلات الشركة في القاهرة ودخولها نفق الخصخصة انعكس سلبا عليهم في أوغندا!. كذلك وجدت هناك بنك القاهرة كمبالا الذي أسسه د.إبراهيم كامل لمساعدة الشركات المصرية وكان علي رأس البنك الأستاذ الفاضل عبدالوهاب الإبياري والحقيقة أن البنك كان خير معين للشركات والأفراد في حدود إمكاناته المحدودة جدا بالقياس للبنوك البريطانية الموجودة والمسيطرة علي البنك المركزي الأوغندي وعلي كل السياسات المالية والائتمانية!. 2 خلال وجودي في أوغندا عرفت أن الأمور هناك تسير بصورة مختلفة عنها في مصر. عندنا في مصر الأمور تسير من فوق لتحت.. الوزير في القمة هو الذي يقرر وهو الذي يعطي الضوء الأخضر في أي موضوع وقراره يفتح كل الأبواب في الوزارة التي يحكمها ويتم تطويع اللوائح طبقا لإرادة الوزير.. لكن في أوغندا يطبقون النظام الإنجليزي في كل شيء ابتداء من المرور حيث عجلة القيادة في السيارة يمين ونهاية بالوزراء حيث الوزير منصب سياسي وسلطته سياسية أما التنفيذ فهو سلطة لجان فنية لا أفراد وهم الذين يصنعون القرار والوزير لا يملك إلا الموافقة.. وفي المحافظات مثلا لجنة المناقصات هي الجهة المسئولة عن ترسية الأعمال أما المحافظ( العمدة) الذي يتم انتخابه للمنصب فهو منصب سياسي بحت ولا يملك أي سلطة تنفيذية وقرار لجنة المناقصات نافذ ولا سلطة توقفه. 3 التعليم في أوغندا قوي ومدعوم من الجامعات البريطانية وجامعة ماكريري هي ثاني أقدم جامعة في أفريقيا بعد جامعة القاهرة وتأسست سنة1923.. وخريج هذه الجامعة معترف بشهادته دوليا وأغلب الأساتذة من بريطانيا وأوروبا بمنح من الاتحاد الأوروبي.. والسفارة المصرية هناك بذلت جهودا جبارة لأجل إلحاق أساتذة مصريين للعمل في الجامعة من خلال الصندوق المصري للتعاون مع أفريقيا الذي يتكفل بكل مصروفات الخبراء والأساتذة المصريين في جميع المجالات.. السفارة بذلت جهدا هائلا لإقناع الجامعة بقبول الأساتذة المصريين وبعد قبولهم تم إعطاؤهم أعمالا هامشية والأمر يدل علي أن المساعدة راحت في غير مكانها وفي غير احتياج المجتمع هناك لها. 4 الصحافة الأوغندية حرة ولها ثقلها في توجيه القرار والرأي العام هناك مع وجود برلمان منتخب والحكومة هي من يتخذ القرارات التنفيذية وبعد موافقة البرلمان علي أي قرار لا يستطيع الرئيس موسيفيني عمل أي شيء.. وهنا تكمن خطورة المعاهدة التي أعدتها الحكومة الأوغندية والتي لم يوافق عليها البرلمان للآن وإن كانت موافقته منتظرة وعندما تحدث لا يملك مخلوق عمل أي شيء ولا الرئيس الأوغندي نفسه لأن الأمور تسير علي النظام الإنجليزي وفيه لكل مسئول سلطات ولا يستطيع الأعلي منصبا سلب أي شيء من الأصغر في المنصب... 5 النظام في أوغندا ودول شرق أفريقيا يختلف تماما عن مصر ومن لا يفهم هذا النظام لا يستطيع أن يعمل هناك حتي لو قابل رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.. وهنا تكمن خطورة قرار الاتفاقية التي تم توقيعها لأن رئيس الجمهورية نفسه لا يستطيع تغيير ما وافقت عليه الحكومة ولا يستطيع أي وزير تغيير ما وافقت عليه الإدارات الفنية في الوزارات... 6 بعد هذا الشرح المستفيض يظهر لنا بوضوح أن تغيير هذا الواقع غير قابل للتغيير لأنه نتاج نظام إداري وفني لدولة.. وأن إعادة النظر في القرار عند السلطة التي اتخذته وليس عند رئيس الجمهورية... 7 الأمر ليس هينا كما يصرح البعض ويحتاج إلي وقت طويل لأجل إقناعهم بوجهة النظر الأخري القائمة علي الحقائق لا الشعارات.. وأولي هذه الحقائق أن أوغندا وبقية دول حوض النيل ليست في حاجة إلي مياه النيل إلا في صيد الأسماك لأن الأمطار هناك كافية تماما للزراعة بما في ذلك الأرز وقصب السكر.. هذه واحدة!. 8 والثانية معرفة أن المسألة ليست خاصة بالزراعة ولا تدبير مياه للزراعة إنما هي افتقاد مدن أوغندية كثيرة للكهرباء وأصلا الوقود مرتفع الأسعار وأغلي من معدلات الأسعار العالمية والصحة مشكلة بسبب الإيدز والملاريا والبنية التحتية مشكلة في الطرق ومياه الشرب والصرف الصحي وفي المقابل البنية التحتية قوية في القوانين ومناهج التعليم. معني الكلام أن المساعدات يجب أن تكون علي دراية ووعي وبما يحتاج إليه الشعب الأوغندي ويعود بالفائدة عليه.. وإن ساعدنا في مشروعات للطاقة مثلا فهذا أمر يعنيهم ويمتنون له ويفرحون به.. أما أن نقوم بمشروع هم أصلا لم يسمعوا عنه مثل تنقية إحدي البحيرات من الحشائش قد يتصورون إن عرفوا بالمشروع أننا نقوم به لمصلحتنا لأجل الحفاظ علي المياه التي تصلنا في النهاية وليس لمصلحتهم لأنهم لا يشعرون ولن يشعروا بالفارق الذي حدث أو قبل وما قبل نزع الحشائش أو تطهير البحيرة من الحشائش!. باختصار نحن فشلنا في أن نعرف ما يجب أن نساعدهم فيه ومن ثم تركنا الساحة لغيرنا لأجل أن يساعد هو ويمتنون هم به وله! 9 الشعب الأوغندي بالغ الطيبة ومسالم جدا لكنه شديد الحساسية وفي حاجة إلي تدريب في جميع المجالات وفي حاجة إلي مشروعات صغيرة واحتياجه شديد لمصادر الطاقة أيا كانت صورتها. 10 الشعب الأوغندي ينتج أجود أنواع البن والشاي والغريب والمدهش أننا نستورد الشاي من سيلان والبن من البرازيل ونترك أجود الأنواع في شرق أفريقيا!. نترك ما يجب أن نستورد منهم لأن مصالحنا معهم وعندهم ونستورد وننفع دولا لا صالح لها بنا! 11 الشعب الأوغندي عاشق لكرة القدم وأي مساعدة من أي نوع في هذا المجال لها تأثير بالغ الأهمية علي الرأي العام وإنشاء مثل هذه المدارس الكروية في أوغندا مردوده إيجابي جدا.. والصين دخلت من هذا الباب وقامت بتشييد استاد مانديلا في كمبالا هدية من الدولة الصينية والشعب الصيني.. والاستاد الأوليمبي الهدية من حكومة وشعب الصين قوبل بهدية أكبر من الحكومة الأوغندية التي فتحت أسواقها لمنتجات وشركات الصين وفتحت قلوبها وعقولها قبل أسواقها للصين!. جنوب أفريقيا عندما وجدت التغلغل الصيني يتمادي تقوم حاليا بإنشاء خط سكك حديدية من جوهانسبرج حتي كمبالا ليمكنهم من فتح أسواق لمنتجاتهم... ماذا فعلت مصر؟ ولا حاجة والآن فقط نتحرك!. الاتفاقية التي نحن بصددها الآن ليست وليدة اللحظة إنما هي نتاج سنين طويلة.. هي محصلة الإهمال المصري لهذه الدول والاستهانة بها وانعدام الحس السياسي باحتياجات هذه الدول... 12 نحن في مواجهة مشكلة تحتاج إلي استراتيجية لسنوات مقبلة لأجل تغيير هذا الواقع أو تعديله... مطلوب الوصول إلي الجذور التي تصنع القرار لا الذهاب إلي الرئيس موسيفيني ومطالبته بتغيير واقع لا يملك تغييره... 13 في كمبالا شارع باسم جمال عبدالناصر.. وهذا دليل علي أنه لنا في أفريقيا ماض لكننا لم نعرف كيف نحافظ عليه.. فهل نبدأ لنستعيده أم سنكتفي بترديده؟. انتهت نقاط الرسالة التي أوضحت جانبا غير مرئي لأغلبنا في معركة حوض النيل السياسية التي بات واضحا أنها ليست مشكلة الري أو الخارجية إنما هي قضية كل التخصصات وكل الوزارات... انتهت الرسالة وأظنها تركت ملاحظات تحتاج إلي إجابات لابد من معرفتها والتعرف عليها إن كنا نريد معرفة الأسباب التي مزعت أوصال علاقاتنا القديمة الوثيقة مع كل دول أفريقيا... الملاحظة الأولي: أفريقيا التي نحن فيها ومنها هي العمق وهي السوق وهي العون وهي الستر وهي الغطاء ومن50 سنة كانت دول القارة الأفريقية كلها معنا.. فلماذا ابتعدنا؟. سؤال مهم وإجابته أهم أما الأهم فمتي نعود لأفريقيا؟ الملاحظة الثانية: شركة النصر للتصدير والاستيراد كانت مكاتبها في كل دول أفريقيا وأظنها كانت فاعلة ومهمة ولها علاقات وثيقة جدا شعبيا ورسميا وبدلا من استثمارها وتنمية وتعظيم دورها تم إغلاقها لنخسر أهم المنافذ غير الرسمية المطلة علي أفريقيا!. شركة النصر من خلال مكاتبها مهيأة لتنظم كل تجارة أفريقيا وبدلا من تفعيل دورها أغلقنا مكاتبها.. فمن صاحب القرار ولمصلحة من القرار؟. هذا السؤال مهم ومن دون إجابة عليه مستحيل أن نصل إلي حلول في هذه القضية بالغة الخطورة!. الملاحظة الثالثة: مصر تستورد من أي مكان في العالم اللحوم والبن والشاي ومنتجات أخري.. نستوردها من أي مكان إلا أفريقيا رغم أنها كلها موجودة في أفريقيا وأسعارها كلها الأرخص عالميا.. لماذا نترك أكبر ثروة حيوانية في الحدود المتاخمة لنا ونستورد اللحوم من آخر بلاد الدنيا من أستراليا ومن الأرجنتين؟. لماذا نترك الشاي والبن الأوغندي ونستورد من سيلان؟. هل هناك نظرية في ذلك؟. لماذا نستورد من دول لا تربطنا بها مصلحة واحدة ونترك دول قارتنا التي كل مصالحنا فيها ومعها؟. لماذا تركناهم يستوردون أسوأ أنواع ودرجات الشاي والأفضل موجود في قارتنا؟. الملاحظة الرابعة: الصين استولت علي كل أسواق أفريقيا من خلال خطة نفذتها بكل دقة.. وفي كل بلد تبدأ القصة ببناء استاد هدية من حكومة الصين وشعبها.. والرياضة مدخل بالغ الأهمية وكرة القدم أهم مليون مرة من الدبلوماسية والكرة مازالت أهم الأوراق في القضية وهذا ما كتبته من ست سنوات ومن سنة وقبل أن تقع الفأس في الرأس وأحد لم يعبرني ولا أعرف هل التجاهل تكبر أم جهل وفي الحالتين من يحاسب؟. أكرر وأقول كرة القدم بإمكانها أن تلعب دورا وتفتح طرقا فيما لو فكرنا وخططنا ونفذنا مشروعات كروية ينعكس مردودها إيجابيا علي أفريقيا كلها والأفكار عديدة لكن ليس هذا مكان طرحها أو مناقشتها!. الملاحظة الخامسة: المؤكد أن الصين هي من يملك أقوي نفوذ في أفريقيا وعلي أفريقيا وإن كان الصهاينة يعبثون هناك فهم لا شيء إلي جانب الصين التي تحظي بحب واحترام وتقدير أفريقي شعبي ورسمي.. لما قدمته من هدايا علي شكل استادات ومشروعات!. الصين أقوي قوة في الملعب وأكبر دولة لها نفوذ وأكبر دولة صوتها مسموع ورأيها موضع احترام... الصين عشنا عمرا طويلا من حياتنا تربطنا بها علاقات وثيقة.. صحيح أنها ليست موجودة لكن الأصح أن الأرضية المشتركة موجودة... السؤال الأهم علي الإطلاق.. لماذا تركنا علاقتنا بالصين تتراجع؟. ولماذا لم نفكر في الصين طرفا يصلح ما أفسدناه في أفريقيا؟. وهل التقارب مع الصين يسبب لنا مشكلات مع آخرين؟. الملاحظة الأخيرة: قضية حوض النيل.. لابد أن تكون قضيتنا جميعا شعبا وحكومة وليس صحيحا ولن يكون صحيحا التعامل معها علي أنها فقط ملف أمن قومي وخارجية... الكرة مازالت في الملعب وبالإمكان استئناف اللعب... وللحديث بقية مادام في العمر بقية [email protected] المزيد من مقالات ابراهيم حجازى