كتب: نادر عدلي : نعيش حالة من الاثارة الثقافية لامثيل لها, حالة البيع والمصادرة, وهذه الحالة والحديث عنها ليس جديدا, ولكنه يتجدد بحماسة مدهشة تجعلك تظن أنه جديدا. مثلا ظللنا نتحدث عن بيع الارشيف السينمائي المصري طوال عشر سنوات, وقد تم بيعه فعلا, ولكن أعيد طرح القضية عندما قررتART ان تبيع ماتم شراؤه منا لأخرين, وعندما حدثت شراكة بين روتانا والمليونير الصهيوني روبرت ميردوخ.. وقد جاءت احاديث الصحف طازجة وساخنة, وكأننا نكتشف لأول مرة اننا بعنا من زمان, وان الصفقات الجديدة هي تحصيل حاصل لسنا طرفا فيه؟! هذا عن السينما.. اما الجديد فعلا فكان يتعلق بتراثنا الغنائي الذي قام التليفزيون ببيعه بأبخس الأسعار, مما جعل انس الفقي وزير الاعلام يحول القضية برمتها إلي النائب العام, وهي قضية لها العجب.. وإذا تركنا السينما والغناء سوف نجد ملفات أخري مسكوت عنها الآن تتعلق بأرشيف الأحداث السياسية, وجريدة مصر الناطقة التي يقال إنها بيعت بالكامل إلي ليبيا, وطرحت القضية فترة من الزمن ثم فقدت اثارتها وتراجعت.. والمهم ان هذه الشرائط ليست لدينا!! والطريف في الأمر أن مايحدث يتم علي طريقة محمد صبحي وجميل راتب في مسلسل رحلة المليون بيع يالطفي.. وليس مهما ما الذي يباع؟! وهذه مسألة غريبة جدا: كيف نبيع تراثنا بكل هذه الجسارة, وبضمائر مستريحة؟! وقد ظل هذا السؤال يشغلني لفترة طويلة, ولا أجد له إجابة أو تفسيرا أو مبررا وأخيرا وجدت الاجابة, واصابتني حالة هستيرية كتلك التي أصابت ارشميدس, حيث انطلقت في شوارع القاهرة اردد: وجدتها وجدتها!!.. لقد جاءتني الاجابة ببساطة وعفوية ومجانية من خلال حديث السيدة نادية صبحي رئيس القطاع الاقتصادي السابق بالتليفزيون مع ملحق الأهرام ع الهواء الذي أجرته الزميلة علا الشافعي, حيث قالت بوضوح: بعنا شرائط كانت مهملة في المكتبات ولايستفيد منها أحد! والسيدة تتحدث عن شرائط أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وآخرين من كبار فنانينا, والمعني ببساطة أن السيدة نادية صبحي, وكل من باع تراثنا يرون أنها كم مهمل, وليس هناك استفادة من ورائه, بينما يري الشيخ صالح والوليد وميردوخ ان هذه الشرائط لاتقدر بثمن!! وحتي لايبدو الأمر وكأنه اختلاف في وجهات النظر بين السيدة نادية صبحي وكل الذين فعلوا مثلها وبين الشيخ والوليد وميردوخ, يجب هنا ان نتوقف أمام نقطة مهمة جدا هي سر الأزمة التي نعيشها في علاقتنا كشعب مع تراثنا اننا لم نتعلم أو نتثقف أو ندرك: مامعني التراث؟ وماهي قيمة الحضارة التي بقيت؟! ونتعامل مع كل ماهو حضاري وثقافي بخفة مدهشة, وهذا ماجعل السيدة نادية صبحي وهي شخصية مسئولة في أهم جهاز اعلامي عربي تري وتعتقد أن هذا التراث شرائط كانت مهملة! علي نفس المستوي نجد هناك من يطلب بمصادرة الف ليلة وليلة ويكرر قضية سبق ان حسمها المجتمع والقضاء منذ أكثر من20 سنة مرة أخري ونجد من يطلب من المحكمة حرق نيجاتيف فيلم بحب السيما ونجد قضايا بالعشرات ضد أفلام في صالات العرض و... و... أن الأزمة الحقيقية اننا فقدنا معني الأشياء, واهدرنا الثقافة فضاعت القيمة, وأهملنا التعليم فتناقص الوعي والادراك.. وكان الانفتاح العجيب علي أن كل شئ قابل للبيع والشراء وان القيمة المادية هي الشيء الوحيد الملموس والمطلوب ورفع الجميع شعار: بيع يالطفي!