بصوت متشخشن تخترق المعديات مياه النيل ويظهر وجهها القبيح كلما اقتربت وتشاهد أن الجميع يفترشون الارض بها لافرق بين حيوان وإنسان فالجميع يرغب في الوصول الي البر الثاني من النهر, بأي حال من الأحوال إنها معديات الموت. فرغم انها شبه مكهنة وغير صالحة فإن هذا لم يعد هو المشكلة التي يعاني منها الجميع خلال الرحلة التي يقطعونها فيما بين مركزي نقادة وقوص حتي الساعة السابعة مساء تتوقف بعدها الحياة. ومرسي للمعديات أصبح هو الآخر من قائمة الاحلام المشروعة التي يبحث عنها طلاب المدارس والعمال والفلاحون كل صباح وهم يقفزون من المعديات علي عدد بسيط من قوالب الطوب اللبن حتي دوابهم هي الاخري تأخذ حظها في القفز من اعلي المعدية الي الشاطيء. وفي قمة المعاناة حدثتنا عبير راغب ربة منزل وهي حاملة طفليها أنها رحلة كل يوم التي اقطعها من قرية نجع العصارة الي نجع العربات وتتكدس بالعشرات من البشر والدواب أعلي تلك المعديات. حسن كامل75 سنة مزارع حدثنا وهو يحمل حماره الي الشاطيء قائلا لا توجد مرسي تليق بالناس هنا, وكذلك لاتوجد معديات مخصصة للدواب والماشية فالجميع يركب نفس المعدية والأعمار بيد الله. ورغم إنشغاله بشد عربته الكارو المحملة بالبضائع حدثنا مصطفي عبدالحميد قائلا نحن نعاني ولا أحد يسأل عنا ونحن نحلم بكوبري علوي يربط بين قوص ونقادة لانهما مركزان مترابطان تجاريا وزراعيا معا وعشرات الطلاب والموظفين يضطرون للمجازفة من اجل الوصول الي الشاطيء الثاني. وقبل أن نغادر المكان سألنا عم الزاهر فهمي61 سنة صاحب إحدي المعديات الذي قال إنه أمضي40 عاما في هذا العمل ويكاد يكون قد حفظ عن ظهر قلب الوجوه التي تركب معه كل صباح وقال إننا طالبنا منذ4 سنوات بإنشاء مرسي للمعديات ولكن المسئولين لم يتذكروا حتي سؤالنا, أما عن صيانة المعديات فإنها تتم كل4 سنوات والناس لاتستطيع ان تفعل شيئا.