ماذا يحدث في مصر؟ سألت نفسي وأنا أنظر حولي عما يحدث بين أبناء الوطن الواحد, بين أبناء عنصر الأمة الواحد لا عنصري الأمة كما تردد.. فالعلاقة بين المصري والمصري, بين المسلم والمسيحي, هي علاقة بين الانسان الواحد لافرق في هذا بين طالب في مدارس الأحد, أو طالب في الأزهر الشريف. والقضية أيها السادة كما علمنا جميعا .. هذا البلاغ الذي قدم للنائب العام ضد د. يوسف زيدان أخيرا بتهمة ازدراء الديانة.., وهي تهمة تحدد الاتهام ضد المسيحية لموقف المتهم كما جاء في البلاغ لتهكمه علي عقيدة التثليث والتوحيد والفداء التي يؤمن بها المسيحيون وعلي الرغم من أننا لانعرض بقضية في طريقها إلي نيابة أمن الدولة العليا, فنحن نثق جيدا في القضاء المصري لا المسلم أو المسيحي فان مايثار لابد من مراجعته ثانيا, كيلا نتهم بأننا نفكر بصوت واحد, هو صوت هذا الانسان المصري الذي يقدم أعلي آيات الوعي واحترام الأديان منذ أكثر من خمسة آلاف عام هي عمر البشرية, أو عمر هذه الحضارة المصرية التي صعدت علي وادي النيل قبل الحضارات الأخري.. ولم يكن هذا هو أول موقف يقدم فيه اللوم بشكل رسمي أو غير رسمي ليوسف زيدان, فقد سبق هذا نشر روايته عزازيل وأثير فيها ماأثير مما اغضب المصري المسيحي الذي رأي في الرواية تهكما علي عقيدة التثليث والتوحيد والفداء التي يؤمن بها المسيحيون.. وما الي ذلك من الاتهامات التي صاح بها صاحب الرواية, وصاح ضده فيها العديد من المعارضين ليس في الداخل فقط, وإنما في الخارج أيضا, حيث يعلو صوت العديد ممن يتحدثون باسم المنظمات القبطية.. غير أن ماجاء في حيثيات الاتهام الأخير كان رد فعل مباشر لما قاله يوسف زيدان في ندوة عقدت أخيرا قال فيها بالحرف الواحد كما جاء في الندوة وكما ردد في الاتهام إن العصور التي سبقت مجئ عمرو بن العاص أكثر ظلاما وقسوة علي المسيحيين, وإن مايلقنونه للأطفال في مدارس الأحد ويحشون به أدمغة القصر ماهو إلا أوهام وضلالات تجعلهم في عزلة عن المجتمع, ولهذا يسهل علي الكنيسة استخدامهم سياسيا, وأضاف المشكو في حقه قائلا إن التأثر بالأساطير هو الذي جعل المسيحيين يعتقدون أن الله هبط لينقذ البشرية في الأرض, وعلق علي ذلك ساخرا من العقيدة المسيحية بقوله: طيب ماكان ينقذنا وهو فوق. والواقع أن مايردد من يوسف زيدان أو الغاضبين عليه يصنف كله في خانة الدهشة.. فلا يمكن ليوسف زيدان أن ينال من المسيحية داخل الرواية أو خارجها. ولايمكن للغاضبين عليه أن ينقلوا ماينقلونه رافضين مثل هذه الأقوال التي تردد في لحظات غضب أو نوبات تطلق في المؤتمرات أو الندوات, أو كردود أفعال غريبة.. ولايمكن أن نفهم السرعة التي تم بها إصدار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أخيرا قرارا باحالة د. يوسف زيدان إلي نيابة أمن الدولة العليا.. وفي جميع الحالات, فإن الأمر المحزن حقا أن يحدث هذا لأبناء الوطن الواحد في زمن يتربص بهم بنا جميعا عدوان خارجي يمثله الغرب سواء في الخطر الامبريالي التاريخي الذي نعرفه جميعا, أو في الخطر الصهيوني المعاصر الذي نعاني منه جميعا فالعدو الصهيوني هناك علي حدودنا, وفوق رموزنا الوطنية الاسلامية والمسيحية في القدس لايتردد في عمل أي شئ للنيل من الرموز الدينية لنا جميعا.. ان قول يوسف زيدان في مؤتمر ببعض الأفكار التي تتعارض مع الفكر المصري لا نؤمن بها, كما أن اتهامات البعض لصاحب هذا الرأي أو ذاك لمجرد أنه صرح بها ترف لانريد التمهل عنده.. إن إهانة وازدراء للعقيدة المسيحية وللمسيحيين كما ورد في هذا البيان ليس ضد حق المواطنة التي نؤمن بها جميعا, وإنما أيضا ضد جوهر الدين السماوي, الذي يحمل اسمه بين أصحاب أهل الكتاب اليهودية والمسيحية والاسلام, ومن هنا, فان الهجوم علي هذا الجانب أو ذاك, أو تلمس بعض الأفكار العامة في التصدي للوعي الحضاري يظل دائما ضد حقوق الانسان التي هي حقوق المواطنة كما يقدمها لنا أي دين سماوي.. ومن هنا فان الهجوم علي أي عقيدة, يظل هجوما مستنكرا, ينال من الانسان الذي عرف الديانات هنا في المنطقة العربية قبل أي انسان في العوالم الأخري.., كما أن إحالة مثقف إلي نيابة أمن الدولة بهذه السرعة أمر يدعو إلي الدهشة.. وعلي أية حال فما كان قد أثير من قبل في رواية عزازيل أو في بعض التصريحات الغاضبة, فان الحكم عليه يظل في يد القضاء المصري وهو قضاء حر نزيه, يستمد نزاهته من الوعي بقيمة الانسان, هذا القضاء الذي لايتردد في الحكم بواعز إنساني وطني وليس سياسيا شوفينيا بأي شكل, وليس بشكل أهوج عقيم كما يفعل الكثير من أبنائنا في الوطن الواحد هنا وهناك في عديد من الأبنية والرموز الدينية في بلادنا.. إن القضية أيها السادة ليست في المادة الثانية من الدستور المصري كما أنها ليست في المادة98 من القانون الذي يجب أن يحاكم أي إنسان خارج علي حق المواطنة, كما أنها ليست في يد أية قوة سيادية أو قضائية مرجعية في هذا الأمر أو ذاك. وإنما القضية فينا نحن أيها السادة.. حين نصرح بأفكار لاتنتمي إلي حق حرية الدين وحق المواطنة, ثم يأتي من يصيح هنا, أو يتهم هذا أو ذاك باسم الدين أو من يحمل علي الآخر لبواعث لاتمت لحرية الفكر بأية حال, مما يمثل خطرا كبيرا ليس علي عقولنا نحن فحسب, وإنما علي وطننا هنا الذي نعتز فيه هنا بحق المواطنة, الحق الذي نجده يحترم في كل الأديان السماوية.. ونشهد أن القضاء المصري هنا ونكرر كان واعيا أشد الوعي ليس في تلقي البلاغ ضد د. يوسف زيدان ولا في تحويله الي النائب العام بقدر ماسيكون الخطاب الأخير الذي نترقبه جميعا من أجل الوطن, الوطن..