بوضوح يري الناس في المحروسة سحابة الإحباط التي تظلل البلد وبالرغم من كل ما يقال عن إنجازات كبري وما يجري علي الأرض من مشروعات تسهم في تغيير الواقع الي الافضل. فإن هناك حالة من الاستغراق في هذه المشاعر وأخواتها, مثل هذا الأمر يجعل الناس أكثر استعدادا لتقبل هذه الحملات الضارية التي تستهدف كل المؤسسات الرسمية, وترديدها والتلذذ بذلك. ومن قلب هذه الحالة ينتشر الحديث عن الفساد وإهدار المال العام. ويرتبط بذلك الهجوم علي رجال الأعمال وعدد كبير من المسئولين والتشنيع علي ما يجري من خصخصة لعدد من شركات ومصانع القطاع العام. ومن جانب آخر يجأر الناس بالشكوي من ارتفاع الاسعار والجنون الذي أصابها, ومن الصعب إقناع الناس بقانون العرض والطلب, فمازال يعشش في رؤوسهم ما كان يجري من تسعير لسلع طوال سنوات سابقة. وهناك من يضغط باستمرار علي الحكومة متهما إياها بالعجز, كلما ارتفع سعر سلعة أو تعذر وجودها. ومع أن الحكومة تدفع الملايين كدعم لكثير من السلع سنويا حماية للشرائح المحدودة الدخل وليظل سعر الرغيف5 قروش أي ربع أو خمس التكلفة الحقيقية بجانب سلع أخري منها أنبوبة البوتاجاز, فإن أحدا لا يتوقف بالتقدير أمام هذه السياسة, أي أن الحكومة تقدم الدعم ولا تنال إلا السخط واللوم والتقريع. ويتسع نطاق الإحساس بالإحباط وانسداد الأفق أمام الشباب بسبب البطالة وأزمة الإسكان والعنوسة, و عدم تكافؤ الفرص ومع الاعتراف الجمعي بانهيار التعليم وتوحش ظاهرة الدروس الخصوصية التي شملت كل مراحل التعليم من الحضانة الي الجامعة, ومع إدراك الجميع ان نقص الموارد هو السبب الرئيسي في فشل كل خطط وبرامج إنقاظ التعليم, فإن الأغلبية ترفض المساس بسياسة مجانية التعليم. وإذا ما أضفنا إلي ذلك معاناة الناس من اختناقات المرور وتفشي الرشوة والوساطة والمحسوبية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء. ولأن الناس يتعرضون صباحا وظهرا وعصرا ومساء وليلا لوابل من الكلمات المكتوبة والمنطوقة والمصورة تليفزيونيا التي تنتقد وتهاجم بقسوة وشراسة أي شئ وكل شئ, فإنهم في النهاية يخضعون لتأثير هذه الحملات الإعلامية والذين يخططون ويمولون ويقودون وينفذون هذه الحملات لاتعكس كلماتهم ومواقفهم سوي نظرة سوداوية مقبضة تنشر التشاؤم وتقتلع الأمل من عيون الناس, وهم أكثر الناس سعاده عندما يزرعون الشكوك ويغرسون الأشواك ويبثون الألغام في كل الاتجاهات. وهذه النتيجة تعني أن القوي المعارضة للنظام والحكومة والسلطة بصفة عامة قد كسبت وبجدارة معركة الصراع علي الرأي العام وتعني في الوقت نفسه أن القوي الإعلامية الحكومية, أي التليفزيون الحكومي والصحافة القومية, قد خسرت وبجدارة هذه المعركة, وبالرغم من كل الامكانات المتوافرة والمتاحة والقيادات اللامعة الأنيقة, كانت الخسارة هي الحصاد والأمر لا يتوقف عند هذا الحد, بل هناك من بين صفوف الإعلام الحكومي من يعمل لهدم أركان السلطة وزعزعة الاستقرار بالتركيز علي السلبيات والتجاهل الكلي أو النسبي للإيجابيات وهي بلا شك كثيرة وبصورة أخري فإن الحكومة تدفع للبعض الملايين من الجنيهات سنويا لكي ينشروا التشاؤم ويحيطوا الإنجازات بالشكوك ويصنعوا للفساد أصناما ويطلبون من الناس تحطيمها, أي يضغطون علي عدد من الرموز السياسية والتنفيذية الحالية بالهجوم علي السياسات التي تنفذها والقرارات التي تصدرها بقوة بالإدعاء بأنها تمس مصالح الناس وتؤثر علي الفقراء وتقتطع من قوت الغلابة وهكذا لإصابتها بالشل, وتشجيع الذين يفضلون الخروج الي الشوارع للتظاهر والاعتصام لإحداث الكثير من الجلبة مستفيدين من وجود سقف عال للحرية وخلال الأعوام الماضية نجحت الحملات الإعلاميةفي تشجيع الناس علي الخروج الي الشارع. وهناك دائما قوي سياسية معارضة علي استعداد لتهييج الناس واستغلال ظروفهم وقيادتهم للتظاهر. وأمام شراسة الحملات الإعلامية التي تقودها المعارضة, وعجز الاعلام الحكومي, ينتشر الاحباط, والاخطر ان هناك من يترك الأمور هكذا, لماذا! ؟ ليست هناك إجابات. ولكن العجز والفشل أمام هذا التيار لن يقود إلي أية إيجابيات, وعلي السلطة أن تحسم أمرها, فالصراع الذي تخوضه القوي السياسية المعارضة وأذرعها الإعلامية يستهدف في النهاية السلطة القائمة, وعينها دائما علي الحفاظ علي هذا الاحباط وما يولده من أحقاد وكراهية للحكومة والساسة والسياسة. الحكيم الجراح في زمن الجحود وعدم الامتنان بل والانقلاب علي من مدوا أيديهم لتلاميذهم وساعدوهم للصعود علي طريق المستقبل, يطل علينا الدكتور محمد الجوادي بكتابه الجديد البديع الحكيم الجراح السيرة الذاتية لحياة استاذه الدكتور محمد عبداللطيف, ضاربا المثل والقدوة للعلاقة بين التلميذ والاستاذ ومعترفا بفضل استاذه في صقل ادائه من خلال الحوار العميق والشامل والجميل الذي تطرق إلي أعماق النفس الإنسانية, وارتفع الي درجات عليا من الوعي بالحياة وتجاربها والدكتور الجوادي يحار الناس في تصنيفه, ففي مجال دراسته وتخصصه, بلغ قمة من قمم البحث العلمي في مجال طب القلب واحتل مكانه ومكانته بين أشهر اساتذة واطباء القلب, وفي مجال الإبداع والتأليف أصدر عشرات الكتب والبحوث والمؤلفات العلمية والأدبية, ويمكن القول إنه طبيب غزير الانتاج. وهو يذكرنا بالاطباء الذين أصابتهم حرفة الأدب, ومنهم إبراهيم ناجي الشاعر ويوسف إدريس القاص والروائي الكبير ومصطفي محمود الذي خاض في بحار الدين والعلم والأدب والفلسفة بجسارة. وكتاب الحكيم الجراح يقدم للقارئ أبعاد شخصية الدكتور محمد عبد اللطيف كنابغة عصامي وعالم بارع شديد الإيمان والورع وخبير بالنفس البشرية وكلما ارتقي في علمه وعمله ومناصبه وأدائه كجراح بارع وفذ, إزداد تواضعا. الغيطاني. وألف ليلة!! بدلا من توجيه الشكر العميق للأديب الكبير جمال الغيطاني صاحب التجليات علي اهتمامه بإعادة طبع كتاب ألف ليلة وليلة التي يعتبرها العالم واحدة من أفضل الأعمال التي انتجها العقل البشري والخيال الانساني في مجال الإبداع والأدب, نشط بشر من اهل الجمود والتخلف والتحجر, لجرجرته وبهدلته أمام المحاكم بإدعاء انه ينشر الفسق والفجور, و يحض علي الرذيلة والفساد. الكتاب يطبع وينشر منذ قرون في العالم بصفة عامة والعالم الإسلامي بصفة خاصة, وقد قرأه عشرات الملايين وتعمق في دراسته الآلاف من الدارسين والباحثين المسلمين, ولم يتوقف أحد أمام مثل هذا الادعاء السخيف, فهل هم أكثر إسلاما من كل هؤلاء؟ أم أن الآخرين جميعا كانوا من كفار قريش؟!!! ثم من الذي جعلكم وأمثالكم حراسا للفضيلة ؟ وهل هناك من جعلكم أوصياء علينا, تحددون لنا ما نقرأ وتأمروننا كيف نحيا؟ ويا له من موقف بالغ السخف والسقوط. ويا أستاذ جمال لك الشكر بإقدامك علي إعادة طبع ونشر هذا الكتاب الذي يعد من عيون التراث العالمي, ودمت أبنا جميلا للكلمة وعاشقا علي دربها وحارسا للفضيلة في أبهي معانيها. المزيد من مقالات عبده مباشر