لكي تتخلص من الفئران الكبيرة.. يجب أن تبدأ بقتل الفئران الصغيرة'! المقولة صادمة, ولكنها حقيقة في زمن الصراعات المسلحة والحروب من أجل البقاء والتطهير العرقي والقضاء علي' الآخر. وعبارة تحمل في طياتها حجم الصعوبات التي تعترض تطبيق القوانين الدولية التي تحاول منع سقوط الأطفال ضحايا للنزاعات المسلحة والحروب العرقية. بوجه عام, يعد الأطفال الضحية الأولي و'الأضعف' في هذه النزاعات, فقدرتهم علي المقاومة والصمود ضعيفة, وهم الأكثر تأثرا بحالات التشرد وفقدان ذويهم والتعرض للإصابات والأمراض والأوبئة, خاصة في حالة نقص المواد الغذائية والتطعيمات والألبان والأدوية التي يحتاجون إليها وتلوث مياه الشرب والعيش في ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة, إضافة إلي مخاطر الألغام, وأقل هذه الأضرار هي الأضرار النفسية التي يواجهونها من جراء حالة الفزع والخوف الناجمة عن الأوضاع غير الآمنة التي يعيشون في أجوائها. ولكن الحروب والصراعات التي شهدها العالم في العقدين الماضيين, خاصة الصراعات المسلحة في أفريقيا, وفي منطقة القرن الأفريقي, والبلقان, وآسيا, وصراعات عصابات المخدرات في أمريكا الجنوبية, فضلا عن التنظيمات الدينية الإرهابية, أوجدت خطرا جديدا يتعرض له الأطفال في زمن الحروب ألا وهو ظاهرة الأطفال المجندين, أو أولئك الأطفال الذين يتم دفعهم إلي حمل السلاح أو تنفيذ عمليات مسلحة, وهي الظاهرة التي يطلق عليها اسم' المقاتلون الأطفال' أوChildrenFighters. وهناك تقرير لمنظمة الصليب الأحمر الدولية يؤكد أن الآلاف من الأطفال شاركوا بأنفسهم في حروب وصراعات مسلحة في25 دولة, وكانت أعمارهم تقل عن16 عاما, بل إنه في عام1988 وحده, بلغ عدد هؤلاء الأطفال المقاتلين200 ألف طفل! بل تؤكد المنظمة أن هناك ميليشيات في موزمبيق تدعي قوات' رينامو' تمارس التجنيد الإجباري للأطفال, ولديها بالفعل10 آلاف جندي طفل, بعضهم لا يزيد عمره علي ست سنوات! وأشارت إحصائية أخري إلي أنه إبان فترة الحرب الأهلية في أنجولا بلغت نسبة الأطفال الذين شاركوا في العمليات المسلحة بشكل أو بآخر36% من إجمالي أطفال البلاد, من بينهم7% أطلقوا النيران بالفعل, أي شاركوا بفاعلية في العمليات القتالية! وتشير التقارير إلي أن الأطفال هم أكثر فئات السكان المدنيين تعرضا للقتل والإصابة خلال النزاعات, وهو ما يتصل بحقيقة أخري تشير إلي أن عدد القتلي والجرحي المدنيين بصفة عامة في أوقات الحروب في ارتفاع مستمر في شتي الحروب التي شهدها القرن الماضي, فبعد أن كانت الأرقام والإحصائيات الدولية تشير إلي أن أكثر من نصف عدد ضحايا الحروب هم من المدنيين, وبالتالي فإن الأطفال هم الحلقة الأضعف بين هذه الفئة, أصبحت هذه الإحصائيات تؤكد أن الضحايا المدنيين تتجاوز نسبتهم90% من ضحايا الصراعات في فترة ما بعد ثمانينيات القرن الماضي, والأرقام تشير بالفعل إلي أن العقد الماضي شهد مقتل مليوني طفل إجمالا, وتعرض نحو خمسة ملايين طفل إلي إعاقات ذهنية وجسدية متنوعة بسبب الصراعات المسلحة, بينما أصبح12 مليون طفل بلا مأوي, وتحول مليون طفل آخرون إلي أيتام أو أنهم انفصلوا قسريا عن عائلاتهم, في حين أن عدد الأطفال الذين أصيبوا بأمراض نفسية وعصبية نتيجة لوجودهم في قلب هذه الصراعات ومشاهداتهم اليومية لأعمال العنف والدماء والقصف, وأبسط الأمثلة علي ذلك أطفال العراق, وكذلك الأطفال الفلسطينيون الذين يتعرضون لكافة أنواع العنف والتعذيب والضغوط بسبب الممارسات الإسرائيلية المباشرة ضدهم أو ضد ذويهم. وعلي الرغم من أن القوانين الدولية تحض الأطراف المتصارعة علي ضرورة حماية حقوق الأطفال وسلامتهم في أوقات الحروب والصراعات, فإن هذه القوانين لا تكفي, أو بالأحري لا تجدي, فعمليات القصف والتفجير لا تختار من تستهدفه, بينما مرتكبو جرائم التطهير العرقي لا يبالون بوجود أطفال بين ضحاياهم, والأسوأ أنهم باتوا يشكلون أهدافا لهذه العمليات, بدليل ما حدث في حرب البوسنة والهرسك وما يجري منذ عام1948 في الأراضي الفلسطينية, فالأطفال أهداف دائما للحروب العرقية التي تستهدف بلا استحياء القضاء علي' العدو' واستئصال جذوره, وجذوره هنا هي الأجيال الجديدة, أو الأطفال! وحتي العقوبات الاقتصادية وحالات فرض الحظر الجوي التي تلجأ إليها بعض القوي في أوقات الصراعات, يكون أكثر ضحاياها الأطفال الذين يعانون من نقص المواد الغذائية والأمصال والأدوية والألبان, وبالتالي, فإن بعض الدول الكبري, وربما الأممالمتحدة نفسها, تسهم بقرارات غير مدروسة في زيادة معاناة الأطفال في أوقات الصراعات, وهذا ما حدث مع العراق في سنوات العقوبات إبان حكم الرئيس الراحل صدام حسين.ويعبر بوضوح عن هذه الفكرة ما نقله تقرير لمنظمة' اليونيسيف' عن أحد المعلقين السياسيين في برنامج إذاعي قبل اندلاع الحرب الأهلية في رواندا عام1994 إنه' من أجل أن تتخلص من الفئران الكبيرة, يجب أن تبدأ بقتل الفئران الصغيرة'! وهكذا, فإن هذه العقلية لا تجدي معها قوانين, ولن يلتزم أصحابها بأي مواثيق, وكل ما يستطيع العالم فعله في هذا الصدد هو مجرد' ردود أفعال' لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد بدء الصراعات أو بعد انتهائها, سواء بمساعدة الأطفال المضارين أو بمحاكمة المسئولين عن مأساتهم.