الموازنة العامة للدولة هي وثيقة سياسية مهمة لأنها تعبر عن الأولويات الاقتصادية للحكومة وتفضيلاتها الاجتماعية, وبعيدا عن ألغاز الأرقام وطلاسم الجداول والاحصاءات التي لا يمكن- عادة- لغير المتخصص متابعتها. فإن الموازنة العامة تبين حجم الأموال التي تديرها الحكومة ومصادرها ومجالات إنفاقها. فالموازنة العامة توضح مجالات الإنفاق العام الذي تقوم به الحكومة والذي يتمثل في حالة مصر ووفقا لقانون الموازنة العامة الذي أقره البرلمان مؤخرا لعام2011/2010, فإن أهم مجالات هذا الإنفاق ثلاثة. الأول هو الأجور والعلاوات للعامين في القطاع الحكومي عموما وشراء السلع والخدمات اللازمة لاحتياجات العمل في أجهزة الحكومة وصيانة المباني ويدخل في ذلك تكلفة الإنارة والصيانة والبريد والاتصالا ت( بنسبة25,6% من إجمالي الموازنة) والثاني هو فوائد القروض المحلية والخارجية المستحقة خلال هذا العام( نسبة20% من الموازنة) والثالث هو المبالغ المخصصة لدعم السلع والخدمات والمعاشات( نسبة24.1 من الموازنة) أي أن هذه العناصر الثلاثة تستنفذ ما يقرب من70% من إجمالي الإنفاق العام. وإذا كان هناك إنفاق تقوم به الحكومة فلابد أن يواجهه إيرادات والتي تتمثل في الضرائب بكل أنواعها والجمارك والمنح والمساعدات الخارجية. وتمثل الضرائب المصدر الرئيسي للإيرادات إذ تبلغ حسب موازنة(2011/2010)197.3 مليار جنيه من إجمالي الايرادات وهو280.66 مليار جنيه. لذلك فمن المهم أن يعرف القارئ أنواع الضرائب ومدي إسهام كل منها في الموازنة العامة ومدي عدالة توزيع الأعباء الضريبية بين فئات المجتمع وكفاءة جهاز الضرائب في تحصيلها وهي أمور تكشف عن عدة مفارقات تستحق التفكير والمراجعة. وتتكون إيرادات الضرائب العامة من حصيلة الضرائب علي الدخل والأرباح والدمغة والضرائب علي المبيعات. ويوضح البيان التحليلي عن الموازنة العامة للعام القادم الصادر عن وزارة المالية أنواع الضرائب التي يتم تحصيلها والتي تشمل: ضرائب البترول, وضرائب قناة السويس, وضرائب البنك المركزي, وضرائب أرباح الشركات, وضريبة النشاط التجاري والصناعي, وضريبة النشاط المهني وغير التجاري, وضريبة المرتبات, وضريبة الدمغة, والضرائب علي عوائد الأذون والسندات. وبدون الدخول في تفصيلات فنية, فإن الملاحظة الأساسية علي تحليل المتوقع من تحصيل هذه الأنواع المختلفة من الضرائب هي أن الحكومة والعاملين بها هما المصدر الرئيسي للضرائب العامة. وحسب تقرير لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشوري فإن الحكومة تسهم بنسبة48% من حصيلة الضرائب العامة وهي البنود الخاصة بالضريبة علي البترول وقناة السويس والبنك المركزي. ويلي ذلك إسهام الضريبة علي أرباح الشركات التي تمثل20% من حصيلة الضرائب العامة. كما يبين التقرير مفارقة أخري لا تقل أهمية وهي أن مساهمة الموظفين والعمال في ضريبة المرتبات والتي تصل إلي11 مليار جنيه هي أكثر من الضرائب المتحصلة من النشاط التجاري والنشاط المهني مجتمعين, وتزيد حصيلة إسهام ضريبة المرتبات علي ضرائب عوائد الاذون والسندات. أضف إلي ذلك مفارقة ثالثة وهي أن حصيلة الضرائب علي النشاط المهني أقل من نصف مليار جنيه وتحديدا483 مليون جنيه. ولنا أن نتخيل أن معني ذلك هو أن أرباح الأطباء والمهندسين والمحامين والمحاسبين إلي غير ذلك من أنشطة مهنية لا يستحق عليها إلا نصف مليار جنيه ضرائب وهو أمر لا يمكن فهمه أو تفسيره أو تبريره. ولذلك, سجل تقرير لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشوري أن هذه الأرقام تكشف عن حقيقة التفاوت في توزيع الأعباء الضريبية بين الفئات الاجتماعية بما لا يتلاءم مع مقدرة الممولين, وأنه كما تكشف الأرقام فإن الحكومة هي الدائن والمدين في نفس الوقت فالجزء الأكبر مما يجمعه جهاز الضرائب وهو هيئة حكومية يأتي من الضرائب التي تقوم بدفعها جهات حكومية أخري. من ناحية ثانية من المهم النظر في أوعية ضريبية جديدة مثل مضاربات الأموال الساخنة في البورصة, وإعادة النظر في إسهام شركات الأموال والمكاتب المهنية, وكذلك ضرورة قيام جهاز الضرائب بتحصيل المتأخرات الضريبية والتي بلغت وفقا للحساب الختامي للدولة عن السنة المالية المنتهية يونيو2009 نحو53.4 مليار جنيه. هذا الموضوع ليس ماليا أو فنيا بل هو سياسي ودستوري في المقام الأول. فالمادة(4) من الدستور تنص علي أن الاقتصاد المصري يقوم علي' تنمية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية' وهو توجه عام يحكم مجمل الأنشطة الاقتصادية والمالية, ثم نصت المادة(38) تحديدا علي' يقوم النظام الضريبي علي العدالة الاجتماعية'. ويترتب علي ذلك أن تحقيق العدالة الضريبية يتطلب أن تساهم الفئات المختلفة في دفع الضرائب حسب قدرتها ودخلها وأرباحها, وأن يكون ذلك تكليفا دستوريا للحكومة عليها أن تسعي لتطبيقه. واشكر لجنة الشئون المالية والاقتصادية بمجلس الشوري الذي دفعني قراءة تقريرها إلي كتابة هذا المقال.