عجبت أشد العجب وتذكرت قول الشاعر لا تنه عن شيء وتأتي مثله, وأنا أطالع تلك المقالة المتميزة التي دبجها الدكتور جابر عصفور في الاهرام بعنوان لمن القيمة في مصر اليوم. وكان مثار عجبي ان الأستاذ الكبير يذكر ما صار إليه امر الأدب والثقافة في عصرنا هذا إذ يقول: حتي الأدب اختلت معاييره وأصبحت الأولوية للأكثر مبيعا لا الأكثر قيمة, في حين أنه يرأس مركزا يسمي المركز القومي للترجمة, ويدل اسم المركز علي أنه مؤسسة قومية تهدف إلي نشر الأدب والثقافة لا التربح منهما, وأن المعيار الذي يطبقه هو الأكثر قيمة لا الأكثر مبيعا, ولكن المؤسف جدا أن هذا المركز يعطي الأولوية لما يذكره وهو الأكثر مبيعا لا الأكثر قيمة. اذ إنني ترجمت كتابا في تعليم اللغات الأجنبية بعنوان كيف نتعلم اللغات, وترجمت كتابا آخر بالاشتراك مع الدكتور أحمد شفيق الخطيب بعنوان اكتساب اللغة الثانية, وتقدمت بهما إلي المركز القومي للترجمة فرفض المركز نشرهما, ولما ذهبت أنا والدكتور أحمد الخطيب إلي الأستاذ طلعت الشايب المسئول عن الترجمة بالمركز عن سبب رفض نشر الكتابين رد قائلا: هذان الكتابان لا سوق لهما, فلما حاولت ان اوضح له أنهما مهمان جدا للعاملين والدارسين في مجال تعليم اللغات الأجنبية, وخاصة من يدرسون اللغة العربية لغير الناطقين بها ممن لا يجيدون لغات أجنبية وأكثرهم كذلك وأن هذا المركز ليس مركزا ربحيا, وان نشر العلم والثقافة في المجالات التي تكاد تخلو منها المكتبة العربية ومنها مجال تعليم اللغات الأجنبية مهمة أصيلة من مهمات هذا المركز, قال: لا للأسف, إن السوق هي التي تحكم اختيار الكتب التي ينشرها المركز أليس هذا مؤسفا حقا؟ ويظل السؤال الذي ورد في عنوان المقالة المذكورة( لمن القيمة في مصر اليوم) باقيا بلا إجابة؟ إلي هذا الحد وصل الفصام بين ما نقوله وما نفعله؟ د. علي علي أحمد شعبان عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر