في إطار الجدل الدائر هذه الأيام حول ألف ليلة وليلة هذا الكتاب الذي صنعته الأجيال منذ مئات السنين, وأصبح واحدا من الكتب النادرة التي نفاخر بها الأمم بعد تحوله إلي عمل عالمي يتأثر به ويرجع اليه أساطين الأدب والفن كما أصبح موضوعا لعشرات الرسائل الجامعية في اللسان العربي وغير العربي.. حول هذا الكتاب المرء يتساءل: ما الفرق بينه وبين الأفعال الفاضحة كالاغتصاب والاختطاف وهتك العرض وغيرها من الأفعال المخلة بالشرف حتي تقبض عليه شرطة الآداب عام1985 ؟ طبيعي الأمر لا يحتاج إلي تساؤل أو مقارنة: ورغم ذلك فما يحدث هذه الأيام ضد هذا الكتاب اشبه بما حدث من قبل, وهو الذي يدعو الي الدهشة والعجب حين يصر البعض منا علي تكرار مثل ذلك مع علمه بالغاء مصادرة الكتاب عام1985, حين اكتشف أحدهم جريمة وجوده عند أحد الباعة فسارع بالإبلاغ عنه, ومعني ذلك أننا تعاملنا مع هذا الكتاب تعامل الاجنبي الذي يجهل ما تنطوي عليه الأشياء التي يراها, فيقلب نظره فيها حتي يقف علي بعض ما يستحسنه فيقبله, أو ما لايستحسنه فيرفضه, يفعل ذلك دون الوقوف علي حقائق الاشياء. وفي الجانب الآخر هبت الطليعة المثقفة بمصر للوقوف ضد هذه الهجمة الضارية علي حرية الابداع تلك التي تمثل أقصي حالات الغفلة والجهل, ويتقدم هذه الطليعة أربعة من كبارنا لعلي هنا أسجل سطورا من مقالاتهم التي طلبتها منهم لنشرها بمجلة القاهرة الثقافية الأسبوعية أثناء ادارتي لتحريرها عام1985, حيث مثلت آراؤهم حجر الزاوية في الدفاع عن الكتاب.. أملا في تنشيط ذاكرة البعض التي اصبحت كالملكة المستبدة التي تذكر وتنسي علي هواها, فنجزئ سطورا من مقال للدكتور إبراهيم مدكور رئيس مجمع الخالدين عنوانه الكتاب تراث قديم يخجلني ما نصنعه به قال فيه: يحزنني حقا أن يطول الحديث حول هذا الكتاب والأخذ والرد حول موضوعه, فاقول إن مانصنعه به يخجلنا أمام الاجيال.. ومقال للدكتور مهدي علام نائب رئيس مجمع الخالدين عنوانه موضوع هذا الكتاب كيف يخرج من أيدينا كمثقفين قال فيه: إن هذه المشكلة التي تواجهنا هي خاصة بالتراث الذي ينبغي أن نتعامل معه دون حذف أو تشويه أو تحريف.. ومقال لعلامة محمود محمد شاكر عضو المجمع عنوانه الألفاظ المكشوفة في هذا الكتاب طبيعية وينبغي ألا نجهلها قال فيه: الثابت أن هذا الكتاب وجد منذ مئات السنين, وخلال هذه السنين قرأه الناس ولم يحدث أن قيل إنه أفسد عقل جيل أو حرض علي إنحلال مجتمع, إن غاية ما يراه البعض في إتهاماتهم هو أن به ألفاظا مكشوفة هي في رأيي لا خوف منها فهي ألفاظ العلم, وإذا كان لها تأثير ضار فكيف يستخدمها العلماء؟. ومقال لأستاذ تحقيق التراث بالجامعات عبد السلام هارون أمين عام مجمع الخالدين عنوانه شهادة للتاريخ قال فيه: هذا الكتاب الذي أهتم به أدباء الشرق والغرب يحاول بعض ضعاف القلوب والعقول أن يثيروا حوله معركة خاسرة.. لا تعتدوا عليه فتثيروا سخرية العالم وضحكاتهم. وبعد هذه الإشارة الي مقالات هؤلاء الأربعة من كبار أئمة وعلماء تحقيق التراث العربي المرء يتساءل: إذا قمنا بمقارنة الألفاظ المكشوفة لهذا الكتاب والتي تزخر بمثلها اليوم الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية, وما فيها من صور وتراكيب مصنوعة وموضوعة, تتضاءل أمامها الكلمات المكشوفة من كتاب ألف ليلة, هل نطالب بمحاكمة أصحابها مثلما نطالب بمحاكمة ألف ليلة ؟ هل نحاكم مثلا كل من يقرأ أو قرأ ألف ليلة أو حازها أو يحوزها أو حتي يفكر في قراءتها أو حيازتها ؟ ثم لماذا لا يطالب كل عربي بمحاكمة هؤلاء الذين يريدون الاعتداء علي الكتاب وهو في الاصل تراث ملك لهم, وأنه كتراث أو ميراث أو إرث كما يراد لكلمة التراث في أصل اللغة العربية وهو مما يتركه الآباء للأبناء ليحافظوا عليه ويعتبروا الذي يعتدي عليه وارثا سفيها يستوجب الحجر عليه ومقاضاته؟ وأخيرا هل يمكن أن نلغي عقولنا, ونعيش في غيبة تامة من التفكير العقلي ونسمح بهذا العبث الذي ينتهي بالاعتداء علي هذا الكتاب ومقاضاة المسئولين عن إصداره وفي مقدمتهم الصديقين الدكتور أحمد مجاهد رئيس هيئة قصور الثقافة والكاتب الروائي جمال الغيطاني رئيس السلسلة وقبلهما الصديق الفنان فاروق حسني وزير الثقافة بدلا من أن نشكرهم؟