وردان يعود من الغربة بعد أكثر من40 عاما من الضياع والتوهان كان خلالها ضحية الإهمال والنسيان الذي يصل إلي مستوي الجريمة كاملة الأركان. أما وردان فهو أكبر معهد إقليمي علي مستوي الشرق الأوسط وافريقيا لتدريب وتأهيل العاملين بالسكك الحديدية ابتداء من سائقي القطارات وانتهاء بأعمال الصيانة للجرارات والعربات والقضبان والإشارات مرورا بالقيادات الادارية, منظومة متكاملة من أعمال التدريب للارتقاء بمستوي الخدمة كان مقررا لهذا المعهد أن يقدمها ليس فقط للمصريين, بل للمتدربين من الدول العربية والافريقية, لكن الفشل كل الفشل كان مصيره إلي أن جاء المهندس محمد منصور وزير النقل الأسبق ليفتح ملف هذا المعهد عام2006 بعد أن قدمت المعونة الأمريكية التمويل اللازم لتجديده وتحديث أجهزة التدريب وفقا لأحدث النظم العالمية طبقا لخطة تستغرق3 سنوات أي أنه كان من المقرر أن تنتهي في عام2009 لكن التعثر الدائم كان يلاحق هذا المشروع. وقبل الدخول في تفاصيل المراحل الأخيرة لعودة وردان من غربته يعود بنا المهندس حسين الفضالي رئيس هيئة السكك الحديدية الي خمسينيات القرن الماضي حيث يقول إن الأممالمتحدة قررت عام1959 انشاء مجمع للتدريب المهني لهيئة السكك الحديدية. وقد تم الانتهاء من الاجراءات الخاصة بالمشروع عام1960 حيث تم تحديد المساحة الكلية له ب150 فدانا علي أرض مملوكة للدولة بزمام قرية وردان مركز امبابة بمحافظة الجيزة والتي تبعد عن طريق مصر الإسكندرية الصحراوي بما يقرب من15 كيلو مترا وذلك حتي يتفرع الدارس والمتدرب لتحصيل العلم بعيدا عن أي مؤثرات. ويضيف الفضالي أنه في عام1961 وافقت هيئة السكك الحديدية علي المشروع وتم الانتهاء من التصميمات في1966 ليبدأ البناء ثم التشغيل الفعلي عام1968 إلا إنه لم تتم الاستفادة المرجوة منه وتحقيق الهدف الذي أقيم من أجله المعهد وتم إهماله. وفي عام2005 عندما تولي المهندس محمد منصور المسئولية وزيرا للنقل فوجئ بحجم الأهمال الكبير وعدم الاستفادة من هذا الصرح العلمي الذي تحول إلي خرابة علي مدي سنوات طويلة امتدت لما يقرب من40 عاما. في هذه الأثناء طلب منصور من الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري باعتبارها بيتا للخبرة في مجال, التدريب خاصة فيما يتعلق بالمحاكيات والتجهيزات الحديثة في هذا المجال أن تكون استشاريا وتضع خطة للتطوير والتحديث وفقا لما يؤكده الدكتور إسماعيل عبدالغفار رئيس الأكاديمية الذي يقول: في عام2005 طالبت وزارة النقل بضرورة رفع كفاءة المعهد حيث إنه لا يتماشي مع التطورات الحادثة في مجال النقل بالسكك الحديدية وقامت الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري منذ ذلك الحين بعمل خطة تطوير شاملة لكل محتوياته بما فيها المناهج الدراسية والبرامج التدريبية بما يتماشي مع تطور الجرارات وتطور أساليب التدريب والتعليم علي مستوي العالم. في بداية عام2009 تم تسليم المعهد لإحدي شركات المقاولات بموجب العقد رقم4 لسنة2008 لإنهاء عملية التطوير الخاصة بالمعهد تحت اشراف الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري. قامت الأكاديمية بإعداد أكثر من1500 عامل من الهيئة القومية لسكك حديد مصر من الإدارات العليا والوسطي علي ماهية التطور المتوقع عن طريق عقد مجموعة من الدورات الإدارية التي منها حل المشكلات واتخاذ القرار, إدارة الموارد البشرية, مفاهيم الجودة في مجال الخدمات, تحسين الجودة في بيئة العمل, إدارة المخازن وغيرها من دورات تفيد في رفع الكفاءة الإدارية لمرفق السكك الحديدية وذلك بمقار الأكاديمية المختلفة في الاسكندرية والقاهرة وأسوان. كما قامت الأكاديمية أيضا بإعداد مجموعة من الدورات المتخصصة لرفع الكفاءة الفنية للعاملين بمختلف تخصصات السكك الحديدية ومنها دورات تدريبية لمهندسي وفنيي هندسة السكة ودورات تدريبية للعاملين بإدارة الحركة بالإضافة إلي الدورات المتخصصة في إدارة التسويق والمبيعات وذلك بالتعاون مع كبري الجامعات في كندا وأمريكا وألمانيا. الدكتور خالد حنفي عميد كلية النقل واللوجستيات قال إن المعهد يعتبر قلعة للتدريب علي أعمال وأنشطة وخدمات السكة الحديد وهو بالفعل يمثل مركزا إقليميا لاستيعاب المتدربين علي المستوي الافريقي والعربي خاصة أن العديد من دول المنطقة تتوسع حاليا في شبكات القطارات وبالتالي سيزيد الطلب من جانب هذه الدول علي أعمال التدريب. وأضاف أن أهم ما يميز معهد وردان أنه يمثل مجتمعا متكاملا حيث إنه يحتوي علي عشرات الفيلات والعمارات السكنية الخاصة لإقامة وسكن المتدربين إلي جانب قاعات للمسرح والسينما والملاعب الرياضية إلي جانب صالة مغطاة وحمام أوليمبي طبقا للمواصفات العالمية وهو ما يمكن لهذا المعهد أن يستوعب إقامة المسابقات والمباريات الدولية والمحلية. إلي جانب هذه المرافق الحيوية هناك مدارس صناعية وابتدائية وإعدادية توفر الفرص التعليمية لابناء المتدربين أو العاملين أثناء الإقامة بهذا المعهد. الأهم من هذا وذاك, وفقا لما يؤكده حنفي, أن المعهد يحتوي علي منظومة متكاملة من ورش التدريب والأجهزة والمعدات المتطورة والحديثة التي توفر العشرات من البرامج لمتدربي السكك الحديدية علي أعمال الميكانيكا والكهرباء للقطارات والاشارات وملاحظي البلوكات إلي جانب تدريب سائقي القطارات بطبيعة الحال والعديد من الأنشطة والأعمال والخبرات التي تلبي جميع احتياجات خدمة السكك الحديدية. ويؤكد حنفي أيضا أن الإمكانات المتاحة حاليا بعد تطوره وتحديثه بتكلفة تتجاوز نصف مليار جنيه بتمويل من خزينة الدولة إلي جانب المساعدات المالية من المعونة الأمريكية يمكن أن تساعد هذه الإمكانات علي إقامة كلية لهندسة السكك الحديدية داخل المعهد خاصة ان كل الاحتياجات متوافرة من الإقامة إلي قاعات الدراسة وورش التدريب والمحاكيات المخصصة لقيادة القطارات علي أحدث مستوي في العالم. ويطالب حنفي بضرورة تعظيم الاستفادة من الاستثمارات والإمكانات الموجودة في هذه المعهد لخدمة السكك الحديدية والاقتصاد القومي خاصة أنه يمكن إذا تم وضع خطة اقتصادية أن تسهم في توفير أنشطة تحقق إيرادات من خلال التعاقد مع العديد من الجهات المحلية والعالمية للاستفادة من هذه الإمكانات. ومما يدعو إلي التفاؤل بطي صفحة الإهمال التي استمرت لأكثر من40 عاما قيام الدكتور حاتم عبداللطيف وزير النقل بزيارة تفقدية إلي المعهد منذ أيام وكان بصحبته كل من وزيري التعليم العالي والتربية والتعليم لدراسة الإمكانات والإجراءات التي تجعل من المعهد قلعة تعليمية وتدريبية ليستعيد الدور الذي أنشيء من أجله. وتعد هذه بادرة أمل إذا ما أحسن استغلالها وإدارتها في المستقبل حيث ألمح الوزير إلي أنه سيوفر كل الاعتمادات المطلوبة لافتتاحه في31 مارس المقبل وهو ما تعهد به مسئولو الأكاديمية حال توافر الاعتمادات المالية وقد نقل الوزير اهتمام رئاسة الجمهورية بهذا الأمر الذي يعد أحد المحاور الأساسية لتطوير منظومة النقل بالسكك الحديدية ووقف نزيف الخسائر والحوادث المتكررة وتحديث منظومة النقل في مصر خلال السنوات المقبلة حتي ان الوزير قد أشار والمح إلي أن رئيس الجمهورية بنفسه قد يأتي لافتتاح المشروع باعتباره بداية لنهضة منظومة النقل واللوجستيات.