حتي الآن لا يوجد ما يشير إلي الخروج من المأزق السياسي الحالي , فكل طرف يقف عند أطراف أصابعه, ويتعلل بأسباب ومبررات لرفض ما هو مطروح من مبادرات في وقت تسيل فيه الدماء علي الأرض, ويزداد العنف ويقع ضحايا جدد كل يوم, بعد أن كنا نفتخر بسلمية الثورة وبياض ثوبها. هناك العديد من المبادرات خرجت من كل الأطراف, بدءا بمبادرة د. عبدالمنعم أبو الفتوح, ثم مبادرة جبهة الإنقاذ, وبعدها مبادرة حزب النور, وأخيرا مبادرة الأزهر التي شارك فيها العديد من القوي السياسية, وقد كدنا نتنفس الصعداء بعد مبادرة الأزهر, غير أنه في اليوم التالي تصاعدت الاشتباكات من جديد وتلطخت أيادي كل الأطراف بالعنف الممزوج بالدماء, فسالت دماء الشرطة, وسالت دماء المتظاهرين, والأسوأ من هذا وذاك, ما حدث للمواطن حمادة صابر وسحله وتجريده من ملابسه الخارجية والداخلية, في مشهد مخز وكئيب يتنافي مع أبسط مبادئ الكرامة الإنسانية علي أيدي قوات الأمن. لا أعتقد أن هناك من يكابر في وجود أعمال بلطجة وشغب يرتكبها بعض أطفال الشوارع والبلطجية والمندسين في وسط المتظاهرين, لكن لا يمكن تعميم القاعدة, فالأصل هو وجود أزمة سياسية ووجود حالة من الإحباط لدي قطاع كبير من المواطنين. إذا اتفقنا علي وجود أزمة سياسية في الشارع المصري, فلابد للأزمة من حل سياسي بعيدا عن الحلول الأمنية تماما, والحل السياسي يحتاج إلي تنازل من كل الأطراف, بعيدا عن العصبية والانفعال, وأعتقد أن مبادرة حزب النور تصلح لأن تكون جسرا للتواصل بين جميع التيارات السياسية للعديد من الأسباب, أبرزها أن حزب النور صاحب المبادرة, هو ثاني أكبر أحزاب تيار الإسلام السياسي, وهو حليف أساسي لحزب الحرية والعدالة طوال الفترة الماضية, وبالتالي, فإن المبادرة لم تخرج من تيار مضاد أو منافس, وإنما من تيار حليف. ثانيا: قبول جبهة الإنقاذ المبادرة بشكل مبدئي, مع التسليم أن جبهة الإنقاذ هي تكتل المعارضة الرئيسي الآن, وهي أحد أضلاع الأزمة السياسية الحالية. ثالثا: عدم رفض حزب الحرية والعدالة للمبادرة حتي الآن, وإن لم تكن هناك موافقة صريحة عليها حتي الآن, مما يجعلها قابلة للنقاش ومحل بحث. بقراءة متأنية للمبادرة, نجد أنها تقوم علي3 محاور أساسية: أولها رفض العنف والتفرقة بين حق التظاهر والتخريب وإزهاق الأرواح, مع رفض حالة الطوارئ وعدم إصدار قانون للتظاهر إلا من خلال لجنة تشترك فيها كل القوي السياسية. المحور الثاني يتعلق بالمصالحة الوطنية بين جميع التيارات والفصائل السياسية, وعدم إقصاء أحد إلا بحكم قضائي بات ونهائي, واحترام أحكام القضاء مع مد الجسور بين القوي السياسية ونادي القضاة, وبخصوص أزمة النائب العام, طرحت المبادرة فكرة استقالة النائب العام واختيار نائب عام جديد من خلال مجلس القضاء الأعلي. في المحور الثالث, طرحت المبادرة أفكارا وحلولا للمواد الخلافية بالدستور, وتشكيل حكومة ائتلاف وطني. هذا هو ملخص مبادرة حزب النور, وفي رأيي أنها المبادرة الوحيدة التي يتفق عليها معظم الفرقاء السياسيين, وليت حزب النور يطرق باب حزب الحرية والعدالة من جديد, للتفاوض والنقاش بشأن المبادرة والإضافة إليها والحذف منها حتي يمكن إزالة الانسداد السياسي الحاد الذي تعاني منه الحالة المصرية, والتي تهدد بتصاعد أعمال العنف وتعقيد الموقف أكثر مما هو عليه الآن. ميزة المبادرة الأساسية أنها تستجيب لطلبات الحرية والعدالة في إدانة العنف, وعدم توفير غطاء سياسي لكل من يلجأ إليه كأداة للتعبير عن الرأي, وفي الوقت نفسه, تستجيب لبعض المطالب التي تنادي بها جبهة الإنقاذ, مثل إقالة النائب العام وتشكيل حكومة إنقاذ لإدارة المرحلة المقبلة, ولحين إجراء الانتخابات البرلمانية. أخشي أن تدخل الحسابات السياسية في إفشال المبادرة .. لكنني أتمني تحييد كل الهواجس والحسابات الآن من أجل إنقاذ الوطن قبل أن يغرق بنا جميعا. المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة