ليس سهلا علي أي مصري أن يرصد ما يجري من عنف وتخريب منظم دون التفاعل معه غضبا وقلقا واستهجانا. غير أنه في أحيان كثيرة يكون علي المراقب أن يعزل مشاعره عن الحدث وينظر إليه بأعصاب باردة من مقاعد المتفرجين. ومن هذا الموقع الهادئ يمكن قراءة ما يدور علي الأرض في إطار الصراع السياسي بين السلطة والمعارضة, حيث يحاول كل طرف توظيف الأحداث لمصلحته. المعارضة وبحكم توازنات القوة أول من يسعي للاستفادة من الانفلات الحالي كورقة ضغط مهمة في معركتها مع الإخوان. لا نتهم المعارضة بالتورط في إشعال العنف. لكنها تستثمر ما يجري لتحقيق اهداف سياسية, علي رأسها إضعاف موقف خصمها الأول اي الرئيس مرسي والإخوان وترسيخ وضع تريده لنفسها كراعية وقائدة وحامية للثورة وأهدافها. وفقا لهذا تبني المعارضة حساباتها علي أساس إطالة أمد الاحتجاجات وزيادة رقعتها الجغرافية وضم شرائح اجتماعية وعمرية وفئوية جديدة لها. ولأن المعارضة كما هو حال التيار الإسلامي ليست فصيلا واحدا فإن رؤيتها للنهاية التي يمكن ان يبلغها هذا التصعيد تبدو مختلفة من طرف لآخر. الأكثر طموحا وتطرفا بين صفوفها يسعي لأن تتحول التظاهرات المقرونة بالعنف والتخريب إلي ثورة جديدة, يتكرر فيها سيناريو انهيار الشرطة ثم نزول الجيش وسيطرته علي الدولة. اي عمليا الانقلاب علي الرئيس والإطاحة به. هذه ليست أوهاما ويمكن بسهولة العثور علي تصريحات وكتابات لمعارضين معروفين يدعون لهذا الهدف ويحرضون الجيش علي التدخل. ثمة غاية أخري أقل طموحا يقنع بها فصيل مختلف من المعارضة لا يعول كثيرا علي الانقلاب العسكري. ويري أن الاكتفاء بتصعيد التوتر واستمرار الاحتقان والتظاهر وحتي العنف سيكون مفيدا لتقليم أظافر الإخوان وإضعاف الرئيس إلي أقصي قدر يسهل معه انتزاع كل ما يمكن من تنازلات وفرض ما يريدون من شروط. يعتقد هؤلاء أن الوصول لهذه النتيجة ممكن بسهولة لأن استمرار التدهور الاقتصادي والأمني سيؤدي إلي تعاظم الضغوط علي الرئيس, ليس فقط من الشعب ولكن من المؤسسات الاقتصادية والأمنية والعسكرية التي ستطالبه بتنازلات لتهدئة الأوضاع إنقاذا لهذه المؤسسات وللدولة ككل. وسيؤدي نفس الوضع إلي تصعيد الضغط الخارجي علي الرئيس, وهو ما حدث بالفعل وعبر عنه أعضاء في الاتحاد الأوروبي والكونجرس الأمريكي وطالبوا بمنع المساعدات عن مصر. كما ان استمرار الانفلات الحالي من شأنه أن يرسم صورة سلبية للرئيس والإخوان في أذهان المواطن البسيط الذي سيري انهم فشلوا في تحقيق اي مكاسب له, وبالتالي لن يمنحهم ثقته ولا صوته بعد ذلك. الإخوان من جانبهم يدركون كل هذا ويدعون الله ان يرتد كيد خصومهم إلي نحورهم. غير انهم يراهنون علي نتائج مختلفة تفرزها نفس المعطيات. بمعني أن تؤدي المظاهرات التي تشجعها المعارضة الي نتائج في غير صالحها. إذ يعتقدون أن العنف الذي اقترن بالمظاهرات وظهور تنظيمات إجرامية خلالها وارتكاب جرائم حرق وتخريب وترويع, كل هذا سحب من رصيد المعارضة وليس الرئيس. هذا ما يراهن عليه الإخوان. وللأسف ترتكب المعارضة خطأ أخلاقيا وسياسيا فادحا بتخاذلها عن توجيه إدانة واضحة وقاطعة ومحددة لهذه الجرائم. ولا يكفي هنا أن تقول إنها ضد العنف. أما سيناريو الانقلاب فان الإخوان يبدون ثقة كبيرة في استبعاده, ليس فقط لان القيادة العسكرية أظهرت نضجا وحكمة في تجاهل دعوات التحريض لها. ولكن ايضا لان الإخوان يوقنون ان الشعب والمعارضة الوطنية المحترمة لا يمكن أن يقبلوا العودة الي الماضي تحت اي ظرف. كما ان عشرات الآلاف من الإسلاميين الذين عانوا طويلا من القهر سيتحولون الي مشاريع شهداء اذا شعروا ان كل ما حققوه سينهار أمام أعينهم. حسابات اي من الفريقين هي الأدق؟. حتي الآن تبدو الاجابة معلقة فمن سيصمد أطول سيفوز في النهاية. لا نعرف من هو هذا الفائز لكننا نعرف جيدا أن الخاسر الأكبر هو مصر. المزيد من مقالات عاصم عبد الخالق