يا خي الروح يا روح حرة يا كروان زماني.. مع مين هافضفض وأبوح إذا زماني رماني.. هتروح ورا الريح وأنوح عليك أنا والأغاني.. وإزاي يا صاحبي تروح وأنا أعيش وما أشوفكش تاني....مبقتش عارف هأغني إزاي ولا مع مين.. وأنا كنت أغمم ساعات في سري تسمعني.. والكلمة تنده عالنغمة تقول نعمين.. ويشبعوا ببعض وإنت تقول تشبعني.. عطشان يا عمار يارب بصاحبي تجمعني..... لم أجد أرقي من تلك الكلمات الحزينة الباكية لعمنا سيد حجاب كي أبدأ بها معه( صحبة ورد) كتبها في رفيق حلمه ومشواره وشقيق روحه الموسيقار الراحل عمار الشريعي, أبكاني الشاعر الكبير وهو يحكي في قصيدته عن صديق كفاحه وقد غلبته دموعه وبكي صوته كثيرا ودمعت كلماته فأخرج لنا من بطن الذاكرة كل الأحلام والآمال التي عاشها الرجل وصاحبه كلاهما منغمسا في عالم الآخر حتي أصبح حجاب والشريعي مزيجا من روح الكلمات وعبير الألحان, وعن رحلة الذكريات إلتقت( الأهرام) الشاعر الكبير سيد حجاب وكان لنا معه هذا الحوار: مر عام2012 بحلوه ومره, كيف انتهي العام علي سيد حجاب؟ العام الماضي كان من الأعوام الحزينة بالنسبة لي..ومن أبرز الأحزان علي المستوي الشخصي رحيل عمار الشريعي الذي فقدته أنا وفقدته مصر كلها, ورحيل عمار بالنسبة لي هو رحيل آخر الرجال المحترمين من أبناء ثقافة الستينيات وأحد المبدعين الكبار وأنا شخصيا أضعه هو وزياد رحباني علي رأس مبدعي هذه الأمة موسيقيا في هذا الزمان إلي جوار ياسر عبد الرحمن وآخرين, ورحيل عمار دلالته الرمزية أن عصرا كاملا قد مضي بنقاط الضوء المهمة والمضيئة فيه مثل عمار الشريعي وبما أفرزه من ثقافة منحطة كانت سائدة قبل25 يناير. ماذا يمثل عمار الشريعي بالنسبة لك؟ عمار بالنسبة لي كما كنا نقول دائما لبعضنا البعض( أنا الشطرة الشعرية لعمره وهو الجملة الموسيقة لعمري) إلتقينا منذ عام1976 ومنذ إلتقينا اكتشف كل منا في الآخر جزء من نفسه وأصبحنا نحلم سويا ونحقق كثيرا من تلك الأحلام سويا, بعض هذه الأحلام كان الغناء للأطفال وأظن أننا نجحنا في ذلك وما زالت أغنيات عفاف راضي وصفاء أبو السعود للأطفال خير دليل علي ذلك كما سربنا الكثير من الأغاني للأطفال في أعمال تلفزيونية مثل التي أداها بعبقرية عمنا عبد المنعم مدبولي. كان لنا حلم آخر وهو أن نسترد للمسرح الغنائي تألقه وتوهجه وقدمنا بعض الأعمال الجيدة في إطار المسرح الغنائي مثل( عشان خاطر عيونك نص أنا نص إنتي الواد سيد الشغال), أيضا نفس الشيء بالنسبة للغناء للسينما مثل( الأراجوز لا تسألني من أنا), بالإضافة إلي ذلك أسسنا فرقة للغناء وهي فرقة( الأصدقاء) وكانت متميزة جدا وشاركنا في ألبوماتها الأولي الأستاذ عمر بطيشة, الأحلام كانت كثيرة جدا والتواصل كان عميقا وعقب وفاته كتبت قصيدة لم تنشر بعد- تحمل بعض مشاعري تجاه' عمار'. ماذا كتبت في صديق عمرك؟ هي قصيدة( صحبة ورد) لأحلي صحبة أهديها لروح شقيق الروح ورفيق الدرب والحلم والمشوار' عمار' وهذا جزء منها: ناس نيام وإذا ماتوا قاموا وانتبهوا.. يعني انتبهلي يا صاحبي شوف بقي إحنا مين.. روحين شقايق وعصفور نور لقي شبهه.. طلعنا العلالي برغم إن السنين غايمين. وأنا بأحضن إبنك مراد انحاش وضاع صوتي.. خايف يا صاحبي بموتك يبتدي موتي.. ما هي ناس توصل في ناس وكلنا مروحين.. وكل حي في معاده حين يحين الحين.. بس إحنا حتي إن رحلنا برده مش رايحين.. هنعيش في ريم وفي مراد.. وفي دندنات الولاد.. بغنوة فرشة علي ممشي الشقي رياحين. قدمت( الأيام) مع أستاذ عمار وكان من بين كلماتها( أنا مش أعمي) ألم تظهر أي حساسية بينكما بسبب تلك الكلمات؟ حينما بدأنا العمل معا أنا وعمار كنا قد أصبحنا روحا واحدة في جسدين وكنا مع بعض تقريبا معظم الوقت منذ بداية اليوم وحتي ختامه نستمع معا إلي الموسيقي نتحدث سويا وعشت مع أصدقائه المكفوفين أيضا ومن خلالهم فهمت إلي حد كبير نفسية المكفوف وعرفت الكثير عن تقاليدهم وحياتهم وطريقة تعاملهم مع الحياة, وبالمناسبة كان قد تزامن مع عملنا معا في' الأيام' أن بدأنا العمل أيضا في' بابا عبده' وأتذكر أن الفنان أحمد زكي كان حينما يستعصي عليه مشهد من المشاهد يطلب تشغيل غنوة المشهد وبمجرد أن يستمع إليها ينقلب أحمد زكي فورا طه حسين, فتلك الأغنيات كانت تكمل المعني الدرامي وقد أعدت كتابة العمل كاملا وحددت أماكن الغناء فيه وكان بالنسبة له اختيار لسان حال طه حسين مغنيا كان شيئا من توفيق الله لأن الشخصية كانت تتحدث كثيرا بصيغة الأنا ولم يكن ممكنا إبراز تلك المشاعر الداخلية عند طه حسين إلا بمشاعر الغناء التي تفسر رؤاه وأحاسيسه بالوجود وبالناس وبالآخرين كل ذلك عبر' الأذن' فهو يتعرف علي العالم من خلالها. شاركته مشاعره في( الأيام) وأعتقد أنه شاركك مشاعرك بالبحر في( وقال البحر).. يضحك ويقول: بالفعل فحينما عرض عليا وقال البحر إتصلت بعمار وقلت له بالحرف:( يا حبيبي إحنا لعبنا علي أرضك في طه حسين, المرة دي يا حلو هتلعب علي أرضي بقي في' وقال البحر') وأتذكر جيدا أنه رد بخفة دمه المعهودة وقال أيضا بالحرف:( طب كويس يبقي المسلسل الجاي بعد كده نسميه' بحر العمي' عشان نبقي علي أرض مشتركة. إلي أي مدي اتسقت واتفقت مفردات الشريعي النغمية واللحنية مع وجهة نظرك ومفرداتك في' وقال البحر', فأنت ابن بحر لكنه لم يتعايش مع تلك البيئة من قبل فكيف عبر عنها بألحانه؟ في أول العمر حين رشحت عمار لسمير خفاجي في إحدي المسرحيات فقال لي هذه دراما وعمار لن يستطيع التعبير عن الدراما فقلت له أن الدراما لها مردود نفسي بمعني أنها ليست مجرد الفعل الدرامي فقط لكن أيضا رد الفعل النفسي للدراما هو جزء أصيل منها وعمار يحسن قراءة النفس الإنسانية فوافق وبالفعل أبدع عمار اللحن وصار من وقتها سمير خفاجي عاشقا متيما بعمار الشريعي, أيضا إحدي الميزات العبقرية عند عمار في موسيقاه أنه دارس للدراما فهو خريج آداب إنجليزي ودرس الدراما الشكسبيرية جيدا وكان عاشقا للدراما الإذاعية والتلفزيونية والسينمائية والمسرحية ويري كل أصناف الدراما ويعشقها وبالتالي لم يكن صعبا عليه أن يدرك المشاعر الإنسانية للصيادين ولا لعجوز القرية ولا لحكيم القرية ولا لأطفال قرية الصيادين التي تدور فيها الأحداث لأنها في النهاية أفعال إنسانية في لحظات إنسانية متوهجة وهو كان قادرا علي الأحساس بها والتعبير عنها بطريقته. الشريعي لم يكن مطربا لكنه أدي مع( الأصدقاء) أغنيات مهمة جدا وأدي مثلا( حبيبتي من ضفايرها) هل حضرتك من أشرت عليه بذلك؟ كنت دائما أحب غناء عمار لألحانه أكثر من غناء أي مطرب آخر بشكل عام, صحيح عمار لم يكن يفكر أبدا أن يكون مطربا لكن طبيعة صوته وطبيعة إحساسه باللحن تجعلني أقول أنه كان الأقدر دائما علي الإحساس بلحنه وهو يكاد يكون وهو يلحن كأنما يري الصورة النهائية للحن موسيقي وتوزيعا وأداء, عمار حينما يلحن يكون( جايب من الآخر) ومن المعروف أن عمار كان يلحن علي العود أو الأورج وبعد أن يلحن كان يملي النوتة لنبيل كمال أو زميل آخر وكان حينما يمليهم فكأنما يقرأ من كتاب وكأن اللحن مرسوم في خياله علي شكل خطوط وليس عليه إلا أن يقرأ هذه الخطوط ويقدمها لمن يكتب النوتة ليسجلها, هذا علي مستوي التنفيذ الموسيقي, أيضا حينما كان علي الحجار يغني( الأيام) وكانت تغلبه دائما صنعة المغني في وضع( العرب) في مناطق كثيرة جدا من الغنوة فكثيرا ما كان يستوقفه عمار ويقول له بالنص:( يا علي اللحن معقرب كفاية مش ناقصة.. قوله سادة) فهو حينما كان يبدع اللحن كان يري الصورة الكلية والنهائية كاملة لهذا اللحن حين يسمعه المتلقي. هل حدث أن اختلفتم حول أعمالكم؟ ليس هناك مواقف معينة كان بيننا تواصل روحي عميق ولم نختلف أبدا ولم يحدث بيننا خلاف علي الإطلاق وحتي حينما طلب منه أن يلحن ليالي الحلمية ومرض وقتها وبات غير ممكن أن يواصل العمل هو الذي رشح ميشيل المصري بدلا منه, وفي أحيان كثيرة كنت أجلس معه وهو يلحن أعمال عبد السلام أمين أو عمر بطيشة أو عبد الوهاب محمد مثلا كان هناك تناغما عميقا جدا بيننا بمعني أنني لم أكن أمنعه أن يعمل مع آخرين غيري ولم يكن يمنعني أن أعمل مع آخرين غيره بل بالعكس كان في أحيان كثيرة هو من يرشح لي هؤلاء الآخرين. أخيرا ماذا تقول لعمار الشريعي؟ من صحبة ورد بأقوله: جاني إنهاردة يا صاحبي أول حفيد.. وإزاي هأغني وإنت عني بعيد.. وأم الولاد حبلة بعالم جديد.. متخفش يا صاحبي علي أم الولاد.. الليل بخيل بس الميلاد في معاد.. خطوة كمان والنار دي تصبح رماد.. روح انت وارتاح سبني أعافر وحيد.. ومع الدموع والشموع هنقيم سبوع الوليد.