عامان علي ثورة25 يناير, وماتزال الرؤية للتحول الديمقراطي والتغيير وتحقيق العدالة الاجتماعية غائبة, ومايزال الارتباك سيد الموقف, كنتيجة طبيعية لعجز النخبة وانقسامها, وجمود أفكارها وانشغالها بالصراع السياسي وحسابات ضيقة ووقتية للربح والخسارة. من هنا طالت المرحلة الانتقالية, واستمرت حتي بعد انتخاب أول رئيس مدني, واقرار دستور جديد لم ينجح في تحقيق الاتفاق علي دور الدين في دولة الثورة أو قواعد اللعبة السياسية بل ضاعف من الأزمة السياسية. وأكد غياب الرؤية والأهداف والمهام. وقد انفجرت الثورة قبل عامين من دون أهداف واضحة أو قيادة متفق عليها, ونتيجة ظروف موضوعية اقتصرت الثورة علي طرح شعارات عامة رفعها الثوار عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية, ورحيل مبارك ونظامه, ونجحت هذه الشعارات في توحيد كل المصريين لكن القوي السياسية والأحزاب والتي كانت تعاني من أمراض الشيخوخة والانتهازية السياسية وضيق الأفق والعيش في الماضي حاولت تفسير وتأويل تلك الشعارات بحسب أفكارها الجامدة, ومن أجل تحقيق أهداف سياسية قصيرة الأجل. لذلك غلبت الوسائل والأدوات عن الأهداف العامة, وتورطت في صراع سياسي مقيت أدي الي تعميق الانقسام السياسي والثقافي بين ما يعرف بالقوي الاسلامية والقوي المدنية. ولاشك أن هذا الصراع سمح للمجلس العسكري بتوسيع صلاحياته والانفراد بادارة الدولة من دون رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية وحدود سلطته ومهامه, فارتكب أخطاء كثيرة بقدر سلطاته المطلقة وبقدر قلة خبرته السياسية, لكن يحسب له تنظيم اول انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة منذ ثورة يوليو1952. في أتون الصراع الانقسام السياسي تركز النقاش العام والأداء السياسي علي الصراع مع العسكر. وعلي أولوية الدستور أم الانتخابات, ثم ترتيبات اجراء الانتخابات وتحالفاتها, وصراع القوي المدنية مع الاسلامية حول كتابة الدستور وعلاقة الدين بالسياسة, وأهمل الجميع بقصد أو بدون قصد مناقشة الرؤية الكلية للثورة, وأهداف ووسائل تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية, وضمان الحريات العامة وكيفية التعامل مع النظام القديم بشخوصه( الفلول) وسياساته. والأهم مستقبل مصر وأمنها القومي وعلاقتها بالعالم الخارجي. والمفارقة أن النخبة والخطاب الاعلامي طرح باهتمام كبير قضية العدالة الاجتماعية كشعار عام دون دخول في التفاصيل وعلاقة العدالة بالتنمية والنظام الاقتصادي الاجتماعي المنشود. لذلك انتهي الدستور الجديد بصياغة عامة وفضفاضة في هذا الصدد. أما علي مستوي السياسات الفعلية خلال مسيرة الثورة فقد جاءت خليطا غير منتظم من الليبرالية الجديدة التي تنطلق من فرضيات وتسعي لأهداف جزئية لاتختلف عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية في عصر مبارك, أي أنها حافظت علي الطبيعة الاقتصادية الاجتماعية لنظام مبارك وغيرت فقط من بعض مظاهر النظام السياسي. لذلك استمر التراجع الاقتصادي والشعور العام بالظلم الاجتماعي واليأس وغياب الأمل, ما يشجع علي القول في الذكري الثانية ليناير أنها ثورة لم تكتمل. فالتغيير السياسي الذي حدث لايكفي للحكم بنجاح الثورة او اكتمالها, خاصة مع استمرار التوتر والصراع بين شرعية الثورة, وشرعية الانتخابات, وبين دولة الثورة ودولة مبارك, وبين شرعية القانون والقضاء وشرعية الثورة. صراع الشرعيات وأزمتها كانت له آثار بالغة علي احترام القانون والقضاء واستقلاله, والأخطر أنه أساء لهيبة الدولة وتماسكها. فقد وظفت هذه الشرعيات في الصراع السياسي وتراجعت الدولة عن عديد من القرارات. والأخطر أنها تخلت عن بعض أهم وظائفها مثل الأمن وتطبيق القانون وحماية الأقليات وفرض سيادتها كاملة علي ربوع الوطن. وفي ظني أن تراجع دور الدولة وعدم قدرتها علي القيام بكل وظائفها هو نتيجة طبيعية لغياب الرؤية والارادة الموحدة لقوي الثورة, ولاستمرار الاستقطاب والانقسام في المجتمع وبين النخب السياسية. وفي ظني أيضا أن القوي الاسلاموية أو المدنية رغم خطاب كل منها الصاخب- لاتمتلك رؤية واضحة لحل مشكلات الوطن ومستقبله, فلم تعكس سياسات الرئيس أو حكومته أو أداء مجلس الشوري رؤية جديدة ومتماسكة لادارة الدولة ومواجهة الأزمة الاقتصادية الصعبة, واتسم الأداء الرئاسي والحكومي بالارتباك والغموض والتهوين غير المبرر لمشكلات الاقتصاد والأمن القومي. ومن ثم تواصلت فوضي القرارات واساليب دولة مبارك في تخويف الاعلام والضغط علي القضاء. أما القوي المدنية فإنها تعارض وترفض سياسات الرئيس وحكومته, لكنها لا تقدم بدائل ومقترحات محددة لكيفية الخروج من الازمة, قد تطرح افكارا مهمة حول ضمانات التحول الديمقراطي وحماية الأقليات لكنها لا تمتلك الرؤية والأهداف المحددة لحل مشكلات الاقتصاد والأمن وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة. من هنا فإن رسالتي للقوي المدنية المعارضة أو القوي الاسلاموية في الحكم أنه لابديل عن التواضع والاعتراف بارتكاب أخطاء خلال مسيرة الثورة المتعثرة والمرحلة الانتقالية الفاشلة. وأعتقد أن الشعور بالمسئولية الأخلاقية والتاريخية عن مصير الوطن ومصالحه العليا كفيل بدفع الطرفين للحوار, والاتفاق علي رؤية لانقاذ الاقتصاد وتحقيق العدالة الاجتماعية, عوضا عن الاندفاع والاقتتال في انتخابات برلمانية لن تحل مشاكل مصر أو تحقق مصالحة وطنية ضرورية للنهضة والانطلاق نحو المستقبل. لكن السؤال هل تتوافر لدي النخب السياسية هذه الأخلاقيات ؟ المزيد من مقالات محمد شومان