تتكرر الحوادث ويتكرر معها ما نفعله من غضب وتمتلئ مواقع الانترنت بالسخرية والمطالبة بمحاسبة المسئولين ثم يهبط حماسنا لننشغل بمشكلة جديدة دون أن نفعل ما يمنع تكرار الكارثة. وهذا ما حدث أخيرا مع حادث قطار البدرشين وقبله بنفس السيناريو كارثة مصرع51 طفلا في حادث قطار أسيوط. وفي حادث قطار منفلوط كان هناك بيان للرئيس والوعد بالتحقيق ومحاسبة المسئولين, في حادث مصرع أطفال منفلوط, تم تقديم وزير النقل كبش فداء للحادث وفي حادث قطار البدرشين الحالي تعلمت الحكومة انه لا يمكنها الاستمرار بالتضحية بالوزراء والمسئولين لتهدئة الرأي العام الذي سينسي ويتلهي في مصيبة أخري بعد قليل لذلك خرج رئيس مجلس الوزراء ليقول إن الحادث لا يستدعي استقالتي أو محاسبة الوزير وان الفساد في هيئة السكة الحديد نتيجة سنوات متراكمة, وليس حديثا أو مستجدا وبالطبع فكلامه صحيح ولكن الخطأ الذي لا يعترف به انه إذا كنتم تعرفون ذلك فلماذا لم تفعلوا شيئا ولو كبداية منذ أن توليتم المسئولية وهل مطلوب كارثة لكي يبدأ الحديث عن المواجهة ثم لا يحدث شيء, ولكي تزداد الولولة علي أحوالنا المنهارة لم تكد تمضي ساعات علي حادث قطار البدرشين حتي خرجت علينا حلقة جديدة من مسلسل الإهمال في العقارات بانهيار عقار بالإسكندرية مكون من ثماني طوابق وخرج محافظ الإسكندرية مبررا أن العقار تم تشييده دون ترخيص وهو تبرير يستدعي عقابا لكل مسئولي الإسكندرية, وهو نفس السيناريو الذي حدث في كوارث سابقة ولم يحدث أي تغيير وهو ما سيحدث أيضا في هذه الكارثة وغيرها فإذا كانت لدينا الرغبة في تغيير حالنا المزري فلابد بداية من الاعتراف بواقعنا دون تجميل علنا نجد فئة تعمل علي إصلاح الحال فعلا وليس قولا 1- علينا أن نعترف بأننا دولة فاشلة فلم تعد هناك مؤسسات قادرة علي العمل وليس التخطيط لمواجهة المشاكل وهو ما تكرر في كارثة قطار أسيوط ثم من بعده كارثة قطار البدرشين حيث التأخير في مواجهة الكارثة وترك الأهالي هم من يقومون بدور أجهزة الإنقاذ ولكن دون إمكانيات حيث لم تكن هناك المستلزمات الطبية بالمستشفي, أي أن كل الوظائف البديهية للدولة في مثل هذه الحالات غير موجودة فأين الدولة أليس هذا دليلا علي أننا نحيا في دولة فاشلة؟ 2- علينا أن نعترف بأن المصلحة العامة قد اختفت من اهتماماتنا وأصبحت المصلحة الخاصة هي التي تحرك الجميع بداية من رئيس الجمهورية وحتي أصغر موظف مرورا بالنخبة السياسية التي تتصارع علي دستور تريده كل فئة حاميا لمصالحها تحت لافتة الصالح العام,وتتزايد المظاهرات والمطالب الفئوية تحت شعار كلنا مظلومون ونريد حقوقنا ولكننا لا نريد أن نؤدي ما علينا من واجبات وألا نبذل عملا أكثر لننقذ اقتصادنا من الانهيار. 3- علينا أن نعترف بأن إتقان العمل لم يعد موجودا فالكل يعمل دون إتقان بل الفهلوة ألا يعمل وهو ما حدث بالنسبة لعامل مزلقان الموت في قطار أسيوط وسائق قطار البدرشين الذي خرج بقطار يعرف انه غير صالح ومن علي شاكلتهما ثم نمثل أننا فوجئنا بالكوارث مع أن الكوارث في كل مجال هي النتيجة الطبيعية لعدم العمل في ادني صوره. 4- علينا أن نعترف بأننا جميعا نسعد بمخالفة القواعد فلا نحترم قواعد المرور ونبحث عن الواسطة لنحصل علي ما ليس لنا بحق ولا يوجد مسئول لديه الرغبة في التصدي لما يراه من أخطاء ومثالا علي ذلك تكدس أتوبيس أسيوط بأكثر من70 طفلا ومثله كل أتوبيسات المدارس ولم يمنع ذلك أحد, وتعود السائقون علي عدم الوقوف في الإشارات والمزلقانات ولم يتصد أحد لذلك, ورغم أن هناك إدارات مكتظة بالعاملين مهمتها الصيانة فلا توجد صيانة وتتكرر الحوادث نتيجة الإهمال, رغم أن كل هذه العمالة التي لا تقوم بأدني واجباتها خرجت مرات عديدة للتظاهر والاعتصام لزيادة مرتباتها وهو ما حدث ولكنهم لم يقدموا عملا مقابل ما أخذوا أليس هذا دليلا علي انعدام الضمير؟ فلم يعد أحد يهتم بأن يعمل ما دام الكل هكذا, وأليس هذا أيضا دليلا علي ضعف كل القيادات علي كل المستويات؟ فكل مسئول يجيء بمن يثق به وليس الأكثر كفاءة والكل يهرب من المسئولية 5- علينا أن نعترف بأن الحكومة الحالية تخاف من اتخاذ القرارات وتكتفي مثل الرئيس بإطلاق الشعارات والمواعظ دون قدرة علي التصدي للفساد أو معالجة المشاكل لذلك سقطت هيبة الدولة حتي تجرأ البعض لطرد رئيس الوزراء والوزراء عند ذهابهم لمستشفي منفلوط,فمن ينتظر محاسبة أو إصلاحا من هؤلاء في مجتمع ضاعت فيه الأولويات وتفرغ ساستها للصراع حول مصالحهم ومواساة الشعب عند كل حادث وتبادل الاتهامات بالتقصير أو عرقلة المسيرة, فمن ننادي لينقذنا إذا كنا لا نريد أن نفعل ذلك بأنفسنا المزيد من مقالات د. محمد صفوت قابل