حوار هاني عمارة: الطريق إلي محور التنمية بمنطقة قناة السويس لن يكون مفروشا بالورود بل كل المؤشرات تؤكد أن هناك صعوبات حقيقية لعل أهمها محاور الشر الأقليمية التي تري في هذا المشروع خطورة مستقبلية علي مشروعاتها القائمة بالفعل. مشروع التنمية بقناة السويس خاصة انه يتمتع بمزايا هائلة بحكم الموقع الاستراتيجي باعتباره علي خط التماس للممرات الملاحية إلي جانب ان هناك توقعات كبيرة بنقل المئات وربما الآلاف من المصانع والانشطة اللوجستية والصناعات التحويلية والتكميلية من دول شرق أسيا إلي محور القناة علي اعتبار ان وجودها في المنطقة يوفر كثيرا من تكاليف النقل والشحن إلي دول أوروبا وامريكا خاصة أن08% من التجارة تأتي من الشرق إلي الغرب. لكل هذه الاسباب لابد من اليقظة الشديدة للمخططات الخفية لضرب هذا المشروع في مهده وهما ما يتحسب له الخبراء ويضعونه في بؤرة الاهتمام وفي مقدمتهم الدكتور خالد حنفي عميد كلية النقل واللوجستيات وعضو اللجنة الاستشارية لمشروع تنمية قناة السويس الذي سألناه عن طبيعة هذه التحديات. بطبيعة الحال يواجه هذا الحلم الطموح تحديات خارجية جسام, حيث إنه اذا ما احسن تقديمه للعالم سوف ينقل مصر نقلة نوعية للامام, ويسحب البساط من العديد من الكيانات الاقليمية التي نمت وانتعشت خلال العقود الماضية واصبحت نموذجا ومضربا للامثال, وبالتالي فلابد من الاستعداد لمواجهة التحديات الآتية من الخارج والتي قد يعززها بقصد او بدون من هم بالداخل. علينا ان نكون علي وعي بكل الضربات التي تسعي لاجهاض حلم الطفرة الاقتصادية لمصر حيث إن الضربات توجه بشكل مباشر وغير مباشر ومن الآن لاي مشروع قائم في المنطقة خاصة مشروعات النقل والمواني القائمة علي قناة السويس مدخلها ومخرجها في محاولة لاحراجنا امام العالم واظهار المنطقة باعتبارها منطقة غير مستقرة وبها قلاقل خاصة فيما يتعلق بالعمالة والاستثمار, وقد بدأ ذلك بالفعل ومنذ فترة وبشكل ممنهج ومدروس من قبل جهات ودول قد يكون نهوض مصر وشموخها يظهر تقزمهم. في ظل هذه التحديات.. ما هي آفاق النجاح لهذا المشروع؟ بداية نوضح ان فكرة هذا المشروع تقوم علي أساس ان مصر الآن لم تستغل في احسن التقديرات اكثر من01% من ارضها وان معظم المشكلات الحالية هي نتاج التكدس الشديد للسكان ومن ثم اصبح لزاما علينا الخروج من ذلك الوادي الضيق لخلخلة الكثافة السكانية إلي رحاب أوسع.. وهو ما يؤهل لبناء اقتصاد قوي وقادر علي مواجهة تحديات العصر. ومن هنا كان الحديث عن اقطاب للنمو تكون بمثابة قاطرة للتنمية تركز فيها مجموعات من الانشطة تنمو وتنمي المناطق المحيطة بها, وعلي هذا تم اختيار هذا الموقع الفريد وهو قناة السويس وليس مجراها بطبيعة الحال لعمل اقطاب للنمو مؤسسة علي الموقع الفريد الذي هو مسار اكثر من52% من التجارة المنقولة بحرا بالحاويات علي مستوي العالم. علي ان تقوم مصر بعمل مخطط شامل لهذه المنطقة الممتدة شمالا من ميناء شرق بورسعيد( القطب الشمالي) إلي شمال غرب خليج السويس( القطب الجنوبي), مرورا بوادي التكنولوجيا( القطب الاوسط) بالاسماعيلية بحيث تصبح في النهاية اكبر مركز تجاري صناعي ولوجستي عالمي. ونحن لا نبالغ في ذلك حيث إننا نتحدث عن مسافة تزيد علي091 كيلو مترا ممتدة علي ضفاف القناة, ونتحدث عن وفرة في المكان, وتميز في المورد البشري, مع موقع لوجيستي عالمي فريد. ما هي متطلبات هذا المشروع القومي اللازمة لإنجاحه؟ لكي يتم عمل هذا المشروع لابد من: أولا: عمل مخطط شامل دقيق وتفصيلي لكل الانشطة التي تشمل مواني محورية ومناطق لوجستية وحدائق صناعية تكون بمثابة تجمعات يظهر فيها المخطط كافة الانشطة الخدمية والصناعية وعلاقات الترابط والتكامل بينها والعوائد علي الاستثمار فيها. ويتم اقتراح مجموعة من الانشطة الرئيسية وغير الرئيسية داخل كل تجمع, والتجمع عادة يكون قائما علي صناعة معينة او خدمة فمثلا يمكن لنا عمل تجمع للصناعات الالكترونية يحوي اكثر من الف مصنع باحجام مختلفة تقوم بعمل منتجات شبه متماثلة تتميز بها وتغذي بها صناعات اخري. وطبيعي ان يتم اختيار عشرات من هذه التجمعات داخل كل قطب مدعومة بمجموعة من الخدمات:1: مركز بحوث وتطوير داخل كل تجمع معني بتطوير الانتاج وتحديث التكنولوجيا الخاصة به2: مركز للاستخبارات التسويقية لجمع المعلومات وتحليلها لاختراق الاسواق الخارجية وتحقيق المزايا التنافسية 3: مركز لتنمية وتطوير وتدريب المورد البشري لمواكبة كل ما هو حديث ومواءمته مع التكنولوجيا لرفع الانتاجية وزيادة التنافسية. ويحف هذه التجمعات الصناعية مراكز لوجستية تحوي خدمات التعهيد والتخرين وترحيل البضائع والتمويل والنقل وسلاسل الامداد والتي اظهرت الدراسات انها تصل في بعض الاحيان الي اكثر من06% من تكلفة الانتاج ومن هنا اصبحت ادارة اللوجستيات بمفهومها الواسع هو العنصر الحاكم في القدرة التنافسية, ويمتد المجمع اللوجستي حتي الميناء فيتعامل مع تداول البضاع والحاويات وبطبيعة الحال تكون النتيجة مزدوجة حيث تزداد التنافسية وتتدفق الاستثمارات من ناحية وتحصل مصر من ناحية اخري علي مقابل الخدمات اللوجستية. ثانيا: طرح هذا المخطط علي العالم باعتباره مشروع مصر الجديدة. الذي يروج ويسوق له عالميا بشكل حرفي مدروس. ثالثا: عمل توافق وطني من خلال عقد اجتماعي يلتف حوله الجميع باعتباره ليس فقط طوق نجاة من الأزمة بل ايضا سفينة العبور. قد يثار عديد من التساؤلات حول جدوي هذا المشروع فما هي حقيقة هذه المعلومات ؟ بعض العوائد الاقتصادية والاجتماعية تتمثل في انه اذا ماأحسن الاعداد والترويج له سوف يستقدم مايزيد علي001 مليار دولار خلال سنواته الثلاث الاولي وهو مايعني التصدي لفجوات الموارد الخارجية والداخلية المذكورة, ويعفي الموازنة العامة للدولة من أعباء تمويل باهظة. يوفر خلال سنواته الثلاث الاولي مايزيد علي مليون فرصة عمل جديدة مباشرة. يسهم في خلخلة الكثافة السكانية والخروج من الوادي الضيق. يوطن المصريين في سيناء وهو هدف استراتيجي في حد ذاته. يجعل مصر محورا استراتيجيا عالميا ومركزا لوجستيا له دوره الفاعل( وليس المفعول به) في الاقتصاد ومن ثم السياسة العالمية. ومن الجدير بالذكر ان هذه الافكار قد سبقنا إليها دول حققت طفرات مثل الامارات( جبل علي دبي) وسنغافورة والصين وبنما وهولندا وغيرها حيث اثبتت التجربة في هذه الدول ان كلمة السر كانت هي اللوجستيات حيث انشئت المناطق اللوجستية كظهير لموانيء محورية تم ربطها بعقد لوجستية لنقل متعدد الوسائط قائم علي ادارة سلاسل الامداد وهو ماأدي في النهاية الي تدفقات رهيبة للاستثمارات في هذه المناطق ونقلها نقلات نوعية في سنوات قليلة, الا ان محور قناة السويس وبكل المقاييس مؤهل لان يحقق نجاحات اكبر بكثير من تلك التي تحققت ليس في منطقة من هذه المناطق بل في مجموعة من هذه المناطق مجتمعة. يضاعف من العوائد المتولدة من قناة السويس والتي لا تزيد علي5,5 مليار دولار حاليا الي مئات لمليارات سنويا حيث ان القيمة المضافة حاليا للحاوية المارة بقناة السويس لا تتجاوز09 دولارا, وبعد المشروع وعمل المناطق اللوجستية تصل كما هو الحال في أماكن مماثلة من العالم الي0004 دولار وهو مايعكس قدر الفرص الضائعة علي الاقتصاد المصري حال عدم اقرار المشروع هل النجاح مضمون أم ان له متطلبات ؟ إن النجاح له شروط منها: البدء فورا بتفعيل ماهو قائم( القطب الشمالي) من ميناء شرق بوسعيد والمنطقة اللوجستية الخاصة بها والتي لم يتم الانتهاء من اعداد مخططها الشامل ووجب طرحها فورا باعتبارها نقطة بداية المشروع وهما مايجعل العالم يقتنع بأننا جادون وقادرون علي التنفيذ. انشاء كيان وطني مستقل لادارة هذا المشروع بفكر متطور قائم علي التنمية اللوجستية للموقع وتحقيق العوائد الاقتصادية والاجتماعية. تحصين هذا المشروع من كل آفات القوانين والتشريعات القائمة المتسمة بقدر كبير من البيروقراطية والفساد والتي اتفق علي اعتبارها المعوق الرئيسي للاستثمار والتنمية.