أيام قليلة وتتجه أنظار الملايين من عشاق الساحرة المستديرة من كل أنحاء العالم صوب القارة الأفريقية لمتابعة فعاليات واحدة من أهم بطولات كرة القدم وأكثرها جذبا للأنظار حيث تستضيف جنوب أفريقيا بطولة كأس الأمم الأفريقية التاسعة والعشرين خلال الفترة من19 يناير الحالي إلي العاشر من فبراير المقبل. وعلي مدي أكثر من نصف قرن منذ انطلاق البطولة الأولي في السودان عام1957, شهدت البطولة العديد من التغيرات والتحولات المهمة التي جعلتها من بطولات الفئة الثانية الي أهم مباشرة في عالم الساحرة المستديرة بعد بطولة كأس العالم حيث تقترب في قوتها من بطولتي كأس أمم أوروبا وكأس أمم أمريكا الجنوبية( كوبا أمريكا). وتستحوذ البطولة في نسختها التاسعة والعشرين علي اهتمام كبير بعدما شهدت التصفيات المؤهلة إليها موجة من المفاجآت أطاحت بمجموعة من أبرز المنتخبات الكبيرة لصالح منتخبات لا تحظي بالشهرة أو الخبرة أو التاريخ في هذه البطولة. وكانت أبرز هذه المفاجآت هي خروج المنتخب المصري صفر اليدين للمرة الثانية علي التوالي من التصفيات وعدم بلوغ النهائيات في نسختين متتاليتين في عامي2012 و2013 بعد فوزه باللقب في ثلاث بطولات متتالية أعوام2006 و2008 و2010 وتعزيز رقمه القياسي في عدد مرات الفوز باللقب( سبع مرات). وينطبق ذلك أيضا علي المنتخب الكاميروني الذي يغيب عن النهائيات للمرة الثانية أيضا لتفتقد البطولة بذلك اثنين من أبرز القوي الكروية في القارة. إضافة لذلك, تعود البطولة إلي السنوات الفردية مجددا بعدما انتظمت في السنوات الزوجية لعقود طويلة وبالتحديد منذ عام1968 حيث ظلت تقام كل عامين. كما تقام البطولة هذه المرة في جنوب أفريقيا للمرة الثانية فقط عبر تاريخها حيث سبق لجنوب أفريقيا أن استضافت البطولة عام1996 وفازت بلقبها. وكان مقررا أن تقام هذه البطولة في ليبيا ولكن أحداث الثورة الليبية وعدم جاهزية ليبيا للاستضافة بعد الإطاحة بالنظام السابق وما أسفرت عنه شهور الثورة من دمار في البنية الأساسية تسبب في نقل البطولة إلي جنوب أفريقا. وبعدما اقتصرت طموحات أصحاب الأرض( غينيا الاستوائية والجابون) في البطولة الماضية علي اجتياز الدور الأول لنقص خبرة المنتخبين بشكل واضح عن باقي المشاركين في البطولة, سيكون هدف أولاد جنوب أفريقيا( بافانا بافانا) هو المنافسة علي اللقب أملا في التتويج الأفريقي للمرة الثانية علي أرضهم. وكانت البطولة الأفريقية أحد أهم أسباب تأسيس الاتحاد الأفريقي للعبة( كاف) حيث اجتمع عدد من كبار الشخصيات البارزة في عالم كرة القدم الأفريقية في العاصمة البرتغالية لشبونة يومي السابع والثامن من يونيو1956 لتأسيس الاتحاد وتنظيم المسابقة بداية من1957. وجري الاتفاق علي أن تكون السودان التي حصلت علي استقلالها في يناير1956 مقرا لاستضافة البطولة الأولي. وبني استاد جديد بالخرطوم خصيصا لهذا السبب وافتتح في30 سبتمبر1956. وفي نفس الوقت صيغت قوانين المسابقة وكانت المشاركة متاحة أمام منتخبات جميع الدول الأعضاء بالاتحاد كما جري الاتفاق علي أن تقام البطولة كل عامين تحت إشراف لجنة التنظيم والدولة المضيفة. وربما جاءت البداية هزيلة حيث انطلقت فعاليات البطولة بمشاركة ثلاثة منتخبات فقط واستمر ذلك في البطولة الثانية كما شهدت البطولات الأولي بعض الارتباك في الأعوام التي أقيمت فيها البطولة. ولكن الموقف تغير سريعا لتقام البطولة بشكل منتظم كل عامين كما تضاعفت قوة البطولة بمرور الوقت وازدادت المنافسة علي الوصول إلي النهائيات التي ارتفع عدد المنتخبات المشاركة فيها إلي16 منتخبا في الوقت الحالي. ويشتعل الصراع كل عامين علي الوصول لنهائيات البطولة حيث يشارك في التصفيات التي تقام علي مدار عدة شهور أكثر من50 منتخبا تتنافس علي بطاقات التأهل الستة عشر للنهائيات. وتساعد هذه البطولة عشاق الساحرة المستديرة في كل أنحاء أفريقيا علي مشاهدة أبرز نجوم القارة وهم يلعبون ضمن منتخبات بلادهم بالإضافة إلي الاستمتاع بمهاراتهم الرائعة التي صقلت من خلال احتراف معظمهم في الأندية الأوروبية. ونجحت هذه البطولة في التغلب علي عوائق اللغة والدين والمسافة والتقريب بين الشعوب الأفريقية كما نجحت في الكشف عن العديد من المواهب والمهارات من كل أنحاء القارة السمراء. وبالنظر إلي تاريخ وإحصائيات البطولة عبر تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن, نستنتج أنها لم تتوقف عند حد وإنما كانت ولا تزال نموذجا رائعا للتطور في عالم كرة القدم كما تمثل معرضا لأبرز النجوم والمنتخبات الذين تركوا أثرا واضحا في تاريخ البطولة. وفي العاشر من فبراير1957 كانت ضربة البداية حيث افتتح رئيس وزراء السودان السابق سيد إسماعيل الأزهري أول بطولة أفريقية للمنتخبات في حضور أكثر من30 ألف متفرج بالاستاد. وأدار المباراة الافتتاحية في البطولة التي شاركت فيها منتخبات مصر وإثيويبا والسودان الحكم الإثيوبي جيبيهو دوبي وفازت فيها مصر علي السودان1/2 وسجل هدفي المنتخب المصري رأفت عطية ومحمد دياب العطار( الديبة) في حين سجل صديق منزول هدف السودان الوحيد. وأقيمت المباراة النهائية في15 من نفس الشهر وأدارها الحكم السوداني يوسف محمد وفازت فيها مصر علي إثيوبيا بأربعة أهداف سجلها الديبة وسلم المصري عبد العزيز عبد الله سالم الكأس التي حملت اسمه إلي قائد المنتخب المصري رأفت عطية ليتوج المنتخب المصري بلقب البطولة الأولي. وكان تنظيم البطولة الثانية من نصيب مصر مقر الاتحاد الأفريقي وجرت فعالياتها من22 إلي29 مايو باستاد النادي الأهلي في القاهرة بمشاركة نفس المنتخبات الثلاثة. وافتتح المنتخب المصري رحلة الدفاع عن لقبه بفوز ساحق علي إثيوبيا بأربعة أهداف سجل منها الراحل محمود الجوهري ثلاثة أهداف ثم ميمي الشربيني الهدف الرابع في حين فازت مصر في النهائي علي السودان بهدفين سجلهما عصام بهيج مقابل هدف لصديق منزول أيضا ليتوج المنتخب المصري باللقب الثاني له. وأقيمت البطولة الثالثة بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا بمشاركة أربعة منتخبات هي إثيوبيا ومصر وتونس وأوغندا وفازت إثيوبيا باللقب بعد أن هزمت مصر2/4 في مباراة مثيرة تطلبت وقتا إضافيا وسلم الامبراطور هايلي سيلاسي الكأس إلي قائد الفريق الإثيوبي لوتشيانو فاسالو. واختيرت غانا لتنظيم البطولة الرابعة في عام1963, ووصلت ستة منتخبات للبطولة بعد التصفيات وهي تونس ونيجيريا والسودان ومصر وغانا وإثيوبيا. وفي النهائي الذي أقيم في أكرا, تغلبت غانا بقيادة مدربها الأسطوري جيامفي علي إثيوبيا3/ صفر وفازت بالكأس للمرة الأولي. وفاز المصري حسن الشاذلي بلقب هداف البطولة برصيد ستة أهداف.