مر عامان من ثورة25 يناير ونصل إلي عتبة هذا التاريخ, وفي كل مرة لم تستطع قوي الثورة التي اجتمعت في ميدان التحرير معا, أن تحتفل معا بهذه الثورة, ليعبر هذا الموقف من كل طريق علي تأشيرات خطيرة يجب أن يقوم الجميع بمراجعة مواقفه التي تراكمت وأدت إلي مزيد من الفرقة والتنازع والاستقطاب, ومن ثم فإننا لابد أن نوجه حديث قاطعا واضحا إلي كل هؤلاء الذين استهلكوا السياسة واستهلكتهم السياسة, حتي اكتفوا بها عن غيرها من مجالات( الاقتصاد, الاجتماع, الثقافة), فظلوا يتشاجرون وفي أحسن الأحوال يتحاورون, وأقصي ممارستهم أن يتكلموا في السياسة ولا يعملوا بالسياسة, السياسة التي نعرفها هي في جوهرها معاش الناس وأحوالهم, وقضايا الناس وضروراتهم, ولكنهم للأسف تلهوا بها فنادوا بسقوط كل شيء وأي شيء. وإلي كل هؤلاء الذين لا يرون في السياسة إلا السلطة يتحركون فيها وبها ولها, فكانت صناعة السلطة وتمكينها هي جل همهم وهي غاية مسعاهم ونسوا أن السلطة أداة لوظيفة ودور, وإلي كل هؤلاء الذين لم يروا في السياسة إلا ضيق مصالحهم الآنية والأنانية مستندين في ذلك إلي حالة شعوبية أو قاعدة العصبية, ولا يفكرون إلا في تنظيمهم ومنظوماتهم ولا يقدرون أن السياسة في معناها الأصيل هي بلوغ مصالح الشعوب والعدل فيها, وتقدير البدائل والاحتمالات وبناء الاستراتيجيات والمستقبليات. يناير الجديد في مفتتح عام جديد يجب أن يكون محل عمل ونشاط فعال بعد أن أضعنا فترة ذهبية استمرت عامين انتقاليين لم نجن منهما سوي المر والحنظل, في مفتتح هذا العام الجديد نريد تمكينا لنخبة جديدة تحمل مبادرة رصينة تؤصل كل المعاني التي حملتها الميادين إبان ثورة25; مفتتح هذه المبادرة الحفاظ علي الجماعة الوطنية مبني ومعني بحيث يكون25 يناير المقبل قاعدة لكيفية تمكننا من أن نسترد ثورتنا. هذه المبادرة لجماعة وطنية تؤصل لمعني التماسك, يجب أن تحمل مطالب المعارضة الوازنة والمتزنة باعتبار هذه المعارضة جزءا لا يتجزأ من حركة مجتمعية وسياسية تمكن لعناصر التماسك وتؤصل لمعاني التوازن أكثر مما تؤدي إلي الفرقة والانقسام, وسلطة تعرف واجبها في الاستفادة من كل أطروحة من أي وعاء خرجت مادامت تمثل معاني الحكمة والرشاد, إن ذلك يشكل ميزان المجتمع والوسط المجتمعي( رمانة الميزان) ميزان السياسة( العلاقة بين الحاكم والمحكوم), وموازين الاقتصاد( المعاش), وميزان الاجتماع الذي يوطد علاقات ثابتة بين( أركان الجماعة الوطنية) وتماسكها. عرفنا النظام السابق وممارساته ومصائبه فيجب ألا نقف عند هذه الحالة التي تعبر عن اجترار للبكاء علي الأطلال سواء كان ذلك من سلطة قد تبرر عجزها وتباطؤها, أو بين معارضة تجعل من ذلك مدخلا لذم كل عمل وممارسة من النظام الحالي فتنسب له في مقارنة غير بريئة أنه أسوأ من نظام باد ومضي, ولكن السؤال الصحيح يكمن في هل يمكننا أن نعرف النظام الحالي بكل مكوناته, خططه وخطواته, حركته واستيراجياته, سياساته وقراراته, خياراته ومساراته, إمكاناته وعلاقاته, وسائله وآلياته, مقدماته وأدواته وقدراته, حتي نكون جميعا جزءا من الحل وليس جزءا من الأزمة والمشكلة وعمليات التأزيم. قد يكون التلاعب السياسي في ميادين التنافس متحملا ومحتملا, أما التلاعب بأقوات الناس ومعاشهم واقتصادهم, وحديث بعض الناس في حالة من التشفي أن مصر علي حافة الإفلاس, كل هذا هو خط أحمر يمكن أن يهدد الكيان والبنيان. ومن هنا وجب علينا جميعا أن نبحث عن كل مدخل يرسخ معاني الجماعة الوطنية ويسترد تماسكها, لا يكون ذلك إلا بفتح منصات الحوار الحقيقية والممتدة والمفتوحة, والقادرة علي تقديم البدائل والخيارات ووضوح المسارات والتعامل مع خريطة الإمكانات والقدرات. يقترن بذلك مبادرة تستوعب الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية والمجتمعية في إطار من التعامل الفعال مع ميثاق عمل يحرك منظومة القيم التي يشتمل عليها ميثاق الميدان, ميثاق المجتمع هو حركة اجتماع الميدان بشروطه الكبري التي أفرزتها أحداث الثورة المباركة ليعلن أن كل مبادئ الجامعية والاجتماع والمجموع والجميع في الميدان هي قيم اللحمة والتماسك في سفينة الوطن والجماعة الوطنية, وأن تكريس قيم الثمانية عشر يوما التي يجب أن ترسخ لتحكم حياتنا في الثمانية عشر عاما المقبلة طاردة كل قيم السلبية والاستقطاب والفرقة والتنازع التي حكمتنا وتحكمت بنا وفينا. ميثاق الميدان الجامع لكل تنوعات هذا الوطن وتعددية واختلافات هذا الشعب وإدارتها بالشرط الواجب والعمل الدائب, بالوعي الرشيد والسعي السديد, يعلن إرادته المستقلة والذاتية في مواجهة تحكم الخارج وتبعيته ويعلن عن استشراف أصول حياة مدنية في معاشه وعلاقته, لا حياة سياسية معسكرة محكومة بالعسكر ومنظوماتهم, مدنية في مواجهة العسكرة في الحكم والتحكم, ويؤكد أن ثورة يناير قامت علي نظام بائد استبد وأفسد, وثارت علي مصالح هؤلاء وشبكية تحالفاتهم الاجتماعية والمجتمعية, ثورة قامت في مواجهة ثورة مضادة, ودولة عميقة وشبكة فلول من مصلحتهم القيام بإجهاضها أو الالتفاف عليها أو صناعة الكراهية لها وفك ارتباط الناس بها وبأهدافها. هذا للأسف ما رأيناه يتعامل معه بالاستخفاف يصل إلي حد الاستهتار, استدعاء واستعداء الخارج صار لعبة السلطة المستحدثة والنخبة المحنطة, واستدعاء واستعداء العسكر صار طلبا من بعض نخبة مدنية لا تري من حكم أو انقلاب العسكر بأسا, تارة تستدعيه, وتارة تستعديه, وفريق يتعامل مع العسكر بأسلوب المساومات والصفقات إن كان استدعاء أو اتفاقا, واستدعاء وتحالف مع الفلول سواء بالتوظيف أو التحالف من سلطة ومعارضة وضمن خطاب يعبر عن حالة الازدواج والفصام الثوري الجامع بين ثورة يناير والثورة المضادة لها, وهو أمر أدي إلي مهادنة الفساد تارة أو توظيفهم في التهييج والحشد ونشر الفوضي واستئجار من يقوم بذلك, هذا الاجتماع أو التوظيف شكل حال خطورة من الالتباس وتمييع الفرز المتعلق بالثورة أنصارا وأعداء. ميثاق الميدان يعلن ضمن ما يعلن التبعية للخارج تمتنع, وحكم العسكر يمتنع, والفلول يمتنعون, فما بال السلطة والمعارضة يتبادلون الاتهامات ويقومون بالفعل نفسه, وكل يهجو غيره بما يفعله من غير استحياء. الميدان الذي شهد المواقف الجامعة والواضحة, هو ذاته الذي شهد المواقف المفرقة والملتبسة, ولسان حال ميدان الثورة ينعي رفقاء صاروا فرقاء, جمعتهم الثورة وفرقتهم السلطة واستحكام حالة من الاستقطاب والصراع السياسي. إنها فاتحة ليناير جديد ولثورة شعب عتيد تؤكد أن الطريق لتماسك الجماعة الوطنية بالأوطان يمر بميثاق الميدان. المزيد من مقالات د.سيف الدين عبد الفتاح