نعلم أن الطموح من الصفات الحميدة التي يتصف بها الإنسان, وهو المحرك الدافع لتحسين الوضع الاجتماعي, وامتلاك الثروة. ولكن كم منا يستطيع أن يضع سقفا لطموحاته, فيقف منها عند حد معين؟؟ وكم منا يستطيع أن يوازن بين السعادة التي يظن أنه يمتلكها, وتاج الصحة الذي قد يفتقده؟ وعن هذه المعاني العظيمة تتحدث أسطورة قديمة عن ملك أراد أن يكافئ أحد رعاياه, فوعده بامتلاك كل شبر من الأرض التي تتمكن قدماه من السير عليها داخل مساحات شاسعة ممتدة بلا حدود, فانطلق يعدو مسرعا وتمكن من قطع مسافة طويلة قبل أن يدركه التعب, مما جعله يفكر في العودة للملك لكي يمنحه تلك المساحة, لكنه استمر في السير بعد أن غير رأيه طمعا في امتلاك مساحات أكبر, وعندما تمكن منه الإنهاك فكر مرة أخري في التوقف والرجوع للملك, إلا أنه تحامل علي نفسه تحت إغراء امتلاك كل الأرض الممتدة أمام عينيه, إلي أن خارت قواه فلم يقو علي النهوض, وفاضت روحه, فكانت المحصلة أن ضاعت الأرض منه, وضاع هو فيها. وتتحدث أسطورة أخري عن تاجر قرر أن يرسل ابنه إلي رجل حكيم ذائع الصيت, لكي يتعلم منه سر السعادة, وكان الحكيم يمتلك قصرا عظيما علي قمة جبل, فلما وصل الفتي عنده وأبلغه برغبته, أذن له بالتجول داخل القصر وفي الحدائق الغناء المحيطة بحثا عن السعادة, وقدم له ملعقة تحمل نقطتين من الزيت, علي أن يعود إليه بعد ساعتين محذرا إياه من انسكاب هذا الزيت خلال جولته. وفور عودته طلب منه الحكيم أن يسرد عليه مظاهر العظمة والأبهة التي شاهدها علي مدي الساعتين, فارتبك الفتي واعترف بأنه لم ير شيئا لأن عينيه كانتا مثبتتين علي الملعقة, وهنا اقترح عليه الحكيم أن يعاود الكرة ليشاهد ما لم تلحظه عيناه في جولته الأولي, ولما عاد إليه مرة أخري وصف له كل معالم القصر وما حوله بدقة بالغة, فنظر الحكيم إلي الملعقة وسأله عن نقطتي الزيت اللتين عهد بهما إليه, فأيقن الفتي أنهما انسكبتا منه, فما كان من الحكيم إلا أن ابتسم وقال له: إنك لم توازن بين التمتع بما حولك والمحافظة علي ما في يديك, فأيقن الفتي سر السعادة الذي يبحث عنه, وهو الاستمتاع بما أنعم الله به عليه, ولكن بالقدر الذي لا يخل بالمحافظة علي الصحة والستر, وهما اللذان مثلهما له الحكيم بنقطتي الزيت. أما الأسطورة الأخيرة فتحكي عن صديقين ذهبا معا لصيد الأسماك, فاصطاد أحدهما سمكة كبيرة ووضعها في حقيبته وهم بالانصراف وهو يقول لصديقه: إني راجع للمنزل, فهذه السمكة تكفيني وأسرتي, فدعاه الآخر للبقاء لاصطياد سمكات أكثر تجلب له مزيدا من الأموال عند بيعها في السوق, حتي إذا كبر وجد لديه ثروة يتمتع بها وهو وزوجته وأولاده, لكنه رفض العرض وانصرف قائلا له: إنني أحاول أن أستمتع أنا وأسرتي بما أنعم الله علي في يومي, ولا أنتظر حتي أبلغ الكبر وتتدهور صحتي, فلا أقوي علي التمتع بما أمتلكه من هذه الثروة التي تتحدث عنها. لواء مهندس فؤاد علي الطير