رأيته بأم عيني علي إحدي الشاشات الفضائية يبكي متأثرا, ضابط سابق بجهاز الاستخبارات الكورية الشمالية, هرب لتوه إلي أحضان كوريا الجنوبية , ثم راح يحكي عن سجينات سياسيات في عهد الزعيم الشمالي الراحل كيم يونج إيل, تم الزج بهن في دهاليز سجون موحشة. كان صاحبنا وزملاء له يتناوبون اغتصابهن يوميا فيها بشكل سافر متتال كنوع من الامتهان لكرامتهن وإذلالهن, عقابا علي ما تم تلفيقه لهن من اتهامات( قلب نظام حكم, تخابر مع جهات أجنبية, إهانة الزعيم... إلي آخره من مثل هذه الكلاشيهات المحفوظة عن ظهر قلب في الدول الاستبدادية البوليسية), ولقد أضاف أن مدة عمل الضابط الواحد في هذا الطغيان لم تكن لتتعدي ثلاث سنوات بأي حال من الأحوال; ذلك لأن الكوريين الشماليين قد اكتشفوا أن السادية مهما بلغت ذروتها لابد أن تخفت حدتها بعد هذه المدة تحديدا تحت وطأة الاعتياد!! ثم كان أن توقف الضابط السابق عن السرد وأجهش بالبكاء, فلما سأله محاوره عن السبب ؟ قال إن أكثر ما أحزنه, بل إن أكثر الأسباب التي دفعت به إلي الهروب, هو ذلك الأسلوب الذي كان متبعا في تلك السجون حين كان الجند يكفون عن اغتصاب تلك الفتيات ما إن يحملن, تمهيدا لعذاب أشد وأقسي, وتمثل في انتظار تلك الأم الثكلي حتي تلد في ظروف وحشية بائسة, فما إن تضع مولودها حتي يعود هؤلاء إليها, لا لكي يغتصبونها هذه المرة, وإنما لكي يذبحون هذا المولود أمام عينيها!! منتهي القسوة التي أكاد أجزم بأن جبين الشيطان نفسه يندي من مثلها!! تذكرت هذا المشهد وأنا أقرأ منذ أيام خبرا عن مرسوم أصدره الزعيم الكوري الشمالي الجالس علي عرش بلاده لتوه, كيم يونج أون, قضي بتنفيذ حكم الإعدام في أحد قادته العسكريين, لماذا ؟ لاتهام الأخير بشرب الخمر حزنا علي موت الزعيم الأب!! الرجل جنح إلي شرب الإثم( أي الخمر) لكي يلهيه ذلك عن صدق أحزانه بفقدان الزعيم الراحل والد الزعيم الحالي, فلم يشفع له ذلك وكان نصيبه الإعدام, والله وحده يعلم كيف تم إعدامه؟ أو كيف تم التنكيل به قبل إعدامه في هذا البلد شديد البرودة قاسي التضاريس ووعرها ؟ يهيم فيه الكوريون علي وجوههم تحت نير نظام شيوعي أشد برودة وقسوة, لا يموت فيه المرء ولا يحيا, يسبح بحمد الزعيم آناء الليل وأطراف النهار, وسط أجواء يكاد المرء يشك خلالها في نفسه,وليس في أقرب المقربين إليه, إناس لا يبرحون حدود بلادهم ما حيوا, يتجرعون الفقر والمرض والحرمان, بلاد اتخذت من المساواة في الظلم شعارا تحت نير حكم توريث غير مبرر من الجد إلي الابن إلي الحفيد جهارا نهارا, ومازال الحال نفس الحال!! فلا ثروات ولا صلوات... لا شيء سوي الزعيم وأفكار الزعيم وأحلام الزعيم وطغيان الزعيم!! ثم التفت إلي عنترة الزمان أمريكا ذات البروج, وأتباعها من دعاة الحرية والإنسانية والعدل والمساواة, فأسأل ما الذي عطل قطار الديمقراطية حاملا نسمات( الربيع) في تلك الأصقاع ؟وما الذي أخرس الألسنة الدولية عن هذه الجريمة المنظمة ؟ إنه الخوف من مواجهة دولة عسكرية نحتت المطارات وقواعد الصواريخ في جوف الجبال, وأوصدت الأبواب عما يدور بداخلها تماما, وأخافت مواطنيها إلي حد الهوان, فأوصد المواطنون الأبواب بقوة في وجه أي محاولة استخباراتيه للنفاذ من خلال الناس!! خوف خارجي من المواجهة يقابله خوف داخلي من التآمر.. معادلة تبدو مهمة للغاية نتاجها الوحيد والأوحد هو شعار( يحيا الزعيم)!! أخي, أكاد أري تصنيفا جديدا للأنظمة في هذا العالم: نظام شعبه يخافه, والعالم أيضا يخافه, وهذا نظام متين جدا من الصعب إسقاطه!! ونظام شعبه يخافه, ولكن العالم لا يخافه, وهذا نظام نموذجي لنسمات( الربيع)!! ونظام شعبه لا يخافه, ولكن العالم يخافه, وهذا نظام قوي يرسم ملامح النظم الأخري!! ونظام شعبه لا يخافه,والعالم لا يخافه, وهذا نظام ملائكي لم يولد بعد!! المزيد من مقالات أشرف عبد المنعم