حلف الفضول هو اتفاقية من أهم الأحداث التي وقعت قبل بعثة النبي محمد صلي الله عليه وسلم, وقد كانت إثر قدوم رجل زبيدي من أهل اليمن ببضاعة له فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي ورفض أن يعطيه ثمنها. فاستغاث الزبيدي بالأحلاف من قريش وهم بنو عبد الدار وبنو مخزوم وبنو جمح وبنو سهم وبنو عدي فأبوا أن يغيثوه, فاعتلي جبل أبي قبيس وقريش في أنديتهم حول الكعبة فأنشد عدة أبيات مطلعها: يا آل فهر لمظلوم بضاعته ببطن مكة نائي الدار والنفر فلما سمع ذلك الزبير بن عبد المطلب بن هاشم قال: ما لهذا مترك, فاجتمع في دار عبد الله بن جدعان عدد من بطون قريش, وتحالفوا في ذي القعدة- وهو شهر حرام- علي ألا يظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه حتي يأخذوا له بحقه ويؤدوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم, وأرجعوا للرجل الزبيدي حقه من العاص بن وائل, وحين رأت قريش ذلك قالت: لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر, فسمي ذلك الحلف ب حلف الفضول. وهذا هو الحلف الذي قال عنه النبي صلي الله عليه وسلم: شهدت حلفا في دار عبد الله بن جدعان لم يزده الإسلام إلا شدة, ولهو أحب إلي من حمر النعم, أما لو دعيت اليوم إليه لأجبت.. يقول أستاذنا د. عبد الرحمن سالم أستاذ التاريخ والنظم الإسلامية في كتابه عن الرسول: فالواضح أن مبادئ هذا الحلف تتفق في جوهرها مع قيم الإسلام وتوجيهاته; لأنها مبادئ تهدف إلي حماية حقوق الإنسان وإنصاف المظلوم من الظالم, ولم يزد الإسلام هذه المبادئ إلا شدة كما عبر عن ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم. وهذا يدل علي عظمة الإسلام وأنه جاء مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه; فأقر الأخلاق والقيم الإيجابية والإنسانية النبيلة وزادها شدة, وهدم الأخلاق السيئة والقيم السلبية ونفر منها. ونحن في عصرنا هذا في حاجة ماسة إلي ولادة حلف عربي إسلامي للغرض نفسه, وإن كانت هناك هيئات ومؤسسات من وظائفها رفع الظلم عن المظلومين وكف الظالم عن ظلمه, وحماية الضعيف والفقير, ولكن هذه الهيئات فرغت من مضمونها, وتسير في ركاب القوي وإن كان ظالما معتديا, وتتخلي عن الضعيف وإن كان مظلوما معتدي عليه! ومن هنا فإن تشكيل حلف جديد أهون وأيسر من إصلاح الهيئات القائمة. وإذا كان حلف الفضول قد تشكل بسبب وقوع ظلم من فرد واحد علي فرد واحد, فكيف بنا اليوم والظلم يقع من شعب علي شعب, ومن دولة علي دولة, ومن أمة علي أمة, ومن حكام طغاة علي شعوب بأكملها.. كما أن أمتنا الآن في حال نهوض وقيام, وتحتاج لمن ينهضها ويسدد قومتها حتي تسرع الخطي وتختصر الطريق إلي الهدف المنشود, وهي أن تعود هذه الأمة شاهدة ورائدة وقائدة, تكف الشر عن الناس حتي لو كانوا غير مسلمين, وتوصل الخير إلي الإنسانية جمعاء; لأن من مقاصد الإسلام العظمي: العمل علي خير الإنسانية. نضيف إلي ذلك أيضا أن بلاد الربيع العربي التي تستأنف حياة جديدة الآن بحاجة إلي التكاتف والتوافق, وأن يقوي بعضها بعضا, ويسند بعضها بعضا, ويشد بعضها من أزر بعض والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه- حتي تصل إلي غاياتها, وتحقق مقاصد ثوراتها, وتعمل علي بناء دول حضارية حقيقية, تحترم الإنسان وتنزله المنزلة اللائقة به كإنسان ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلا. فتحقق له العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية, وترفع الظلم عن كاهله, بعد أن عاش عقودا طويلة تحت نير القهر والظلم والبطش والاستبداد. كما لا ننسي أن موجة الثورات لن تقف عند هذا الحد, فسوف تتمدد يمينا وشمالا, وشمالا وجنوبا, وهذا يقتضي وقوع الظلم وإسالة الدماء, مثل التي نراها اليوم في بلد مثل سوريا, كما رأينا بالأمس في بلاد عربية أخري. وكذلك قضايا العالم الإسلامي مثل قضية المسلمين في ميانمار التي لا تجد بواكي لها, ولا سند ولا معين ولا نصير, وقضية فلسطين التي تعاني تحت الاحتلال الصهيوني ظلما وقصفا وصلفا, ولا تجد هذه القضايا رجلا في العالم اليوم مثل الزبير بن عبد المطلب بن هاشم يقول بلسانه: ما لهؤلاء مترك! إن هذا كله وغيره- يؤكد حاجتنا الشديدة اليوم إلي تشكيل هذا الحلف, الذي أدعو أن يكون برئاسة مصر في ظل قيادتها الجديدة, وبعضوية تركيا مع بلاد الربيع العربي: تونس وليبيا واليمن, وقد ينضم لهذا الحلف دول أخري لا ترضي الظلم للشعوب, وبخاصة إن كانت ضعيفة فقيرة, وتكف الأشرار والظالمين عن شرهم وظلمهم حتي لو كانوا أقوياء وسادة العالم.