أنا سيدة في الثالثة والعشرين من عمري من عائلة بسيطة تزوجت في سن السابعة عشرة من شاب مكافح, وكانت أحوال أسرته المادية أفضل من أسرتي الي حد كبير. ولم ألتفت الي ما تحلم به العرائس عادة من شبكة ومهر وخلافه.. وانتقلت الي عش الزوجية بأقل الامكانيات.. ومع ذلك كنت سعيدة جدا به.. ومنيت نفسي بحياة مستقرة, وحرصت علي إرضائه, ووفرت له كل متطلباته في حدود امكانياتنا, ولم تعرف الخلافات طريقا إلينا. هل تتصور يا سيدي أننا كنا نبيت أياما كثيرة بلا طعام, وأشعر بحرج شديد عندما يعود آخر اليوم ولا أجد ما أقدمه له طعاما للعشاء.. لكنه كان راضيا ويدعو الله دائما أن يرزقنا من نعمه وأن يفيض علينا ببركاته.. وبعد عام أنجبنا طفلنا الأول.. وتحسنت أحوالنا قليلا بعد أن استقر زوجي في عمل جديد وزاد دخلنا, ثم ابتسمت لنا الدنيا وتفتحت أمامنا أبواب الأمل, وجاء لزوجي عقد عمل بالخارج, فشددت علي يديه.. وعاهدته بالحفاظ علي بيته وابنه حتي يعود إلينا سالما بإذن الله.. وراح هو الآخر يبثني حبه, وحزنه علي فراقي, وانه سوف يضطر لتوفير ثمن تذاكر السفر التي يعطيها له صاحب العمل كل عام, وان يقلل فترات إجازاته لكي يدخر كل مليم أملا في شراء شقة كبيرة بدلا من الشقة الضيقة التي تزوجنا فيها. وبعد عام كامل أرسل لي مبلغا لا بأس به دفعته مقدما لشقة مناسبة باسمه في مكان أرقي من الذي كنا نعيش فيه, ورغبة مني في مساعدته خرجت الي العمل في وظيفة بمكتبة مجاورة لمحل سكننا, وساهمت بدخلي منها في أقساط الشقة. وفي العام التالي أرسل لي مبلغا آخر اشتريت به أثاثا جديدا وعاد زوجي الي مصر بعد أربع سنوات وفوجئ بكل ما فعلته.. لكنني لم أجد عليه أي علامات للسعادة أو الفرحة التي كنت دائما أراها في عينيه.. وجدته إنسانا آخر كثير السرحان قليل الكلام متجهما دائما, وناقما علي بلا أسباب واضحة. وحاولت معرفة ما ألم به لكنه ظل صامتا, فطلبت منه أن ننتقل الي الشقة الجديدة فطلب تأجيل هذه المسألة بعض الوقت.. وعندما ألححت عليه وقلت له أن الشقة سوف تعجبه وأنها ستكون نقلة جديدة في حياتنا فاجأني بكل برود بأنه سوف يتزوج فيها!. يا الله بعد كل ما فعلته من أجله وبشقائي وتعبي وسهري وتحمل المآسي طوال هذه السنوات تحل أخري محلي علي الجاهز وتأخذه مني.. إنني لم أقو علي سماع كلامه ووجدتني أصرخ في وجهه.. هل نسيت حبنا؟.. هل تخليت بكل هذه البساطة عن أحلامنا وبيتنا وابننا؟.. فرد علي بأنه لم يخالف الشرع ولا القانون.. فانهرت أمامه تماما.. لكنه لم يبال بي, وخرج بلا عودة. وعرفت من أقاربه أنه تزوج في الشقة التي تعبت في تأثيثها قطعة قطعة بعد أن غير الكالون والمفاتيح.. فاتصلت به, وقلت له: إنني لا أرضي علي نفسي هذا الوضع فألقي علي يمين الطلاق, وكأنه كان ينتظر حتي أطلب الطلاق.. وحملت ابني الي بيت أسرتي فلم أجد مكانا ولا ترحابا.. فأخي وزوجته وبناته يقيمون في غرفة واحدة ووالدتي العجوز تقيم في الغرفة الأخري وهكذا حللت ضيفة علي بيت خالتي لأترك لديها طفلي, وأخرج الي العمل حتي لا نموت من الجوع. وهذه هي مكافأة نهاية خدمتي لزوجي الذي صنته وصبرت عليه, وها أنذا ألاطم الدنيا وأنا في عمر الزهور حتي لا اتشرد في الشارع أنا وابني في الوقت الذي يعيش فيه شهر العسل مع زوجته الثانية.. لقد فوضت أمري الي الله ولا حول ولا قوة إلا به سبحانه وتعالي. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: تبدلت الاحوال ولم يعد للحب وجود في معظم زيجات هذه الأيام, ولا ادري لماذا ينسي البعض أنفسهم وينغمسون في ملذاتهم إذا تحسنت أحوالهم المادية فيسارعون إلي الزواج من أخري أو الانخراط في علاقات محرمة ابتغاء متعة زائفة.. ليدرك زوجك أن غدره بك سيقابله غدر ممن ارتبط بها بعد تخليه عنك ولو بعد حين.. ووقتها لن ينفعه الندم بعد ان تكون قد استنزفت كل ما معه. فالقصاص يا سيدتي يكون دائما من جنس العمل, وليته يراجع موقفه منك فيعيدك إلي عصمته حتي ينشأ ابنه بين احضانه وليعدل بينكما انت وزوجته الثانية, فنصف الهم, ولا الهم كله كما يقولون. وفقك الله, وهدي مطلقك إلي صوت العقل والاتزان.