مرحلة الشباب هي مرحلة الحلم بأوسع معانيه, والحلم فيها ليس اختيارا او رفاهية, وانما حتمية حياة في دولة عميقة التاريخ وثرية الثقافة كبلادنا. ولقد عرفنا ذلك الحلم في شبابنا حق المعرفة, فاعتبرنا انفسنا جزءا من خندق حركة التحرر العالمي في مواجهة الامبريالية وفي الداخل كنا جزءا نشيطا من الحركة الوطنية التي تكافح ضد الصهيونية من ناحية وفي سبيل العدل والحرية من ناحية ثانية, ووجدنا في اغاني الشيخ امام واشعار نجم وصلاح عبد الصبور ومحمود درويش طاقة روحية تعيننا علي الحلم الوطني والانساني, وفي الوقت نفسه رحنا نجتهد لنحصل علي مؤهلات دراسية راقية تسمح لنا بالعمل والحب والزواج لننجب بنات وصبيانا نتعب في تعليمهم وتربيتهم وتثقيفهم لتتواصل مسيرة الحلم النبيل, كانت هذه احلامنا الشخصية, وكانت ظروف وطننا الاقتصادية تعيننا علي الحلم علي الاجمال, بل كان نضالنا ضد قبضة عبد الناصر والسادات القوية جزءا من ذلك الحلم حتي جاء حسني مبارك واستطال حكمه وتقدم في العمر وكنا قد اصبحنا كهولا- ولم يكتف بقبضته القوية, بل اضاف اليها فساده وفساد اولاده وفساد الزمرة والبطانة التي احاطت به وهيمنت علي الحزب والحكم, والسلطة والثروة وتدهور مستوي معيشة الفقراء والمتوسطين من الناس وراحت تلك الزمرة تورث سيادتها ونفوذها ذاك لاولادها ومحاسيبها, وتدهورت كفاءة التعليم والثقافة, واعتمد الاقتصاد علي توليد الاموال لا استثمارها في الانتاج, وهكذا انسدت افاق الحلم لدي الشباب, وعاش الشباب بلا حلم سنوات عديدة, يتخرج الشاب حاملا شهادة لا بأس بها تشير الي انه ادي ماعليه واجتهد ومع ذلك يظل سنوات بلا عمل يتناول من ابيه مصروفه الشخصي وعينه في الارض, او يضطر لمواجهة ذلك الموقف المؤلم بقبول اي عمل يؤمن له مصروفه الخاص ذلك, بصرف النظر عما اذا كان ذلك العمل يرتبط بما يحمل من شهادات أو بما يحقق له من طموح, فعمل الشباب, جرسونا في قهوة, عاملا في محل كشري وحارس امن, ولم يكن امام الطامحين منهم الا البحث عن تحقيق أحلامهم فيما وراء البحر المتوسط, فيلقون بأنفسهم بعد رحلة من الشقاء علي مراكب متهالكة تتقاذفها الامواج, فتهوي بهم الي ظلمات قاع البحر, او يصل من يصل منهم الي بلاد الغربة, بلا اسم ولا هوية. هكذا انسدت الآفاق أمام أحلام الشباب, فخرجوا يوم الخامس والعشرين من يناير, بصدورهم العارية, ليواجهوا اعتي آلة قمع, ينتزعول حلمهم, الذي لخصوه تلخيصا رائعا في شعارهم عيش, حرية, كرامة إنسانية ولما كانوا يعلمون أن القضية ليست قضية مطلبية فحسب وانما يحول بينهم وبين حلمهم نظام فاسد, فقد واصلوا الشعب يريد إسقاط النظام, ولما كانوا متأكدين من ان هذا النظام ليس نظاما عفويا وانما يؤسسه ويتربع عليه فاسد ظالم فقد هتفوا بالفم المليان ارحل, وكان من البديهي أن يسعي النظام لوأد ثورة الشباب فواجههم بالقتل والفوضي والتشهير, ولكن ماذا يفعل كل هذا في مواجهة الايمان بالحلم والتصميم علي انتزاعه, والاستعداد للتضحية بالروح في سبيل ذلك الحلم, وفي سبيل الحلم قدم الشباب آلاف الشهداء والاف المصابين والالآف ممن فقدوا نور عيونهم, ورحل النظام وجاء المجلس العسكري الذي واصل القمع والقتل ومرت البلاد في فترة من الفوضي, دبرت بليل وغابت البديهيات في تأسيس الدول ودخلنا في دوامة الدستور اولا ام الانتخابات اولا عودة النظام القديم ام تاسيس نظام جديد, طرف ثالث ينشط ويفعل, ومع هذا لم يفرط الشباب في احلامهم وواصلوا الجهد والسعي اليه مهما تكن التضحيات فقدموا الشهداء في شارع محمد محمود وقصر العيني ومجلس الوزراء, وجرت انتخابات انتهت بفوز النظام الحالي, ومرت المائة يوم الاولي التي وعد فيها الرئيس بالكثير, ولم يتحقق فيها شئ, وبدلا من مواجهة المشكلات التي تحول دون تحقيق الاحلام سعي النظام لحماية نفسه عبر اعلانات دستورية ولجان تأسيسية محصنة بالقوة, فراح الشباب مرة ثانية يواصلون الخروج لانتزاع حلمهم فتوجهوا للاعتصام حول قصر الاتحادية, فوصلوا الي جدرانه وهم يهتفون: اللي يحب مصر.. مايخربش القصر, ولكن المؤلم بعد كل ماقدم الشباب من تضحيات وإزاء اصرارهم علي الحلم أن تتقدم بعض العصابات الهمجية لتفض اعتصامهم وتقتل بعضهم وتصيب المئات منهم, والذي احب ان اؤكده في النهاية أن شبابنا قد انتفض وثار لينتزع حلمه وواجه في سبيله كل آلات القمع, وقدم في سبيل ذلك الحلم آلاف الشهداء, فهل ندع للشباب حلمهم ويكفي ما اريق في سبيله من دماء ؟ المزيد من مقالات د كمال مغيث