الاحتجاجات المتتالية التي تشهدها الساحة حاليا نتيجة الخلافات في الرأي ووجهات النظر شابها ترديد بعض الشعارات والعبارات المخالفة, كالقول بأن قتلي فريق في الجنة وقتلي الفريق الآخر في النار . وهنا يثور تساؤل: هل يصح الحكم علي شخص معين بأنه من أهل النار أو الجنة؟ وهل يصح الحكم بتكفير شخص معين؟ يجيب عن تلك التساؤلات الدكتور القصبي زلط عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر مستدلا بما ذكره صاحب العقيدة الطحاوية في قوله:.. ولا ننزل أحدا منهم جنة ولا نارا, فقد جاء في شرح هذه الجملة أننا( لا نقول عن أحد معين من أهل القبلة إنه من أهل الجنة أو من أهل النار, إلا من أخبر الصادق صلي الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة كالعشرة رضي الله عنهم, وإن كنا نقول: إنه لابد أن يدخل النار من أهل الكبائر من شاء الله إدخاله النار, ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين, ولكنا نقف في الشخص المعين, فلا نشهد له بجنة ولا نار إلا عن علم, لأن الحقيقة باطنة وما مات عليه لا نحيط به, لكن نرجو للمحسنين, ونخاف علي المسيئين). كما أوضح شارح العقيدة الطحاوية أن من أعظم البغي أن تشهد علي معين أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار, فإن هذا حكم الكافر بعد الموت, ولهذا ذكر أبو داود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين, فكان أحدهما يذنب, والآخر مجتهد في العبادة, فكان لا يزال المجتهد يري الآخر علي الذنب, فيقول: أقصر, فوجده يوما علي ذنب فقال له: أقصر, فقال: خلني وربي, أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك, أو لا يدخلك الله الجنة, فقبض أرواحهما, فاجتمعا عند رب العالمين, فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟ أو كنت علي ما بيدي قادرا ؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي وقال للآخر: اذهبوا به إلي النار. وهنا قال أبو هريرة: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته). ولذلك يقول ابن تيمية:( إن القول قد يكون كفرا, فيطلق القول بتكفير صاحبه ويقال: من قال هذا فهو كافر, لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره, حتي تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا كما في نصوص الوعيد, فإن الله يقول:, إن الذين يأكلون أموال اليتامي ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا] فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق, لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد, فلا يشهد علي معين من أهل القبلة بالنار, لجواز ألا يلحقه الوعيد, لفوات شرط, أو ثبوت مانع, فقد لا يكون التحريم بلغه, وقد يتوب من فعل المحرم.. وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة المحرم.. وقد يبتلي بمصائب تكفر عنه, وقد يشفع فيه شافع مطيع). ومعني هذا أن الحكم علي نوع( وليس شخصا بعينه) بأنه من أهل النار والوعيد, أو بالكفر وأنه مخلد في النار لا حرج فيه, إذا كان هذا النوع قد ارتكب معصية توجب الوعيد أو تستلزم الكفر, فلا حرج أن يقال: من أكل مال اليتيم فهو في النار. ومن رفض حكم الله وفضل عليه حكما آخر فهو كافر, لا حرج لأن الحكم صدر بصورة إجمالية عامة علي أشخاص ليسوا معروفين, أو علي نوع لا تعرف أشخاصهم, لكن لا يصح أن يصدر هذا الحكم علي شخص معين, وإن صدر منه ما يدل عليه, إلا بعد التأكد تماما من حاله. أي أن من يرتكب معصية إذا استحلها وعلمنا ذلك تماما فإنه يحكم بكفره, ومن ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة حكم بكفره, مادامت قرائن الإنكار واضحة جلية. ..وهل يصح أن يكفر من ينطق بالشهادتين ولم يعمل بهما؟ إن النطق بالشهادتين هو الباب الذي يدخل منه الشخص إلي الإسلام, فمن نطق بالشهادتين أصبح في عداد المسلمين, وأصبح معصوم الدم والمال, فلا يصح أن يكفر, حتي لو لم يعتقد ذلك بقلبه, لأنا أمرنا أن نحكم بالظاهر وأن نكل السرائر إلي الله سبحانه, وروي عن أسامة بن زيد بن حارثة قال: بعثنا رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي الحرقة من جهينة, فصبحا القوم فهزمناهم, ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله, فكف عنه الأنصاري, فطعنته برمحي فقتلته, قال: فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلي الله عليه وسلم, فقال لي: يا أسامة أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله, فما زال يكررها حتي تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.