بوجه عابس يعجز عن رسم ابتسامة مجاملة زائفة.. زار الرئيس باراك أوباما قبل أيام كمبوديا ضمن جولته الآسيوية ليكون أول رئيس أمريكي تطأ قدمه الأراضي الكمبودية منذ قرابة40 عاما. وفي لقاء وجيز سيطر عليه التوتر اجتمع أوباما مع هون سن رئيس الوزراء الكمبودي الذي انفرد بالسلطة تماما بعد وفاة الملك الأسطوري نوردوم سيهانوك, والذي خلف وراءه تركة مثقلة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان يديرها أحد القادة السابقين للخمير الحمر, بكل ما يحمله من قسوة وعنف تجاه الشعب الكمبودي. لم يسع أوباما خلال هذه الزيارة للاعتذار عما ارتكبه أسلافه من جرائم تجاه هذا الشعب الفقير, مفضلا توجيه الانتقادات للنظام الحالي بدلا من الاعتراف بضلوع بلاده في صعود مثل هذا النظام للسلطة. يؤكد البعض أن الأوضاع الإنسانية والسياسية المزرية التي تعاني منها كمبوديا والتي ازدادت سوءا بعد موت سيهانوك هي السبب وراء تجنب أوباما الاعتذار عن قتل بلاده لأكثر من نصف مليون مدني كمبودي, في إطار حربها ضد الحزب الشيوعي في فيتنام في أوائل عقد السبعينيات من القرن الماضي. فأي اعتذار أمريكي لهون سن سيظهر النظام الكمبودي الحاكم بل والخمير الحمر أيضا في صورة الضحية, خاصة أن الاعتداءات الأمريكية كانت وراء صعود هذه الجماعة للسلطة في إطار حالة من التضامن الوطني للقضاء علي المعتد الأمريكي الغاشم. ولكن بغض النظر عن الموقف الأمريكي السلبي, سواء فيما يتعلق بتجنب التطرق لآلام الماضي أو حتي الضغط علي النظام الكمبودي لتخليص الشعب الكمبودي من آلامه الراهنه. فإن وفاة الملك سيهانوك ضاعفت بلا شك من آلام هذا الشعب الفقير, علي الصعيدين المعنوي والمادي. فسيهانوك لم يكن شخصية تقليدية بأي شكل من الأشكال, فهو سياسي فريد من نوعه. فقد حرص علي مدي60 عاما في السلطة منذ أن توج ملكا في ال18 من عمره علي تكوين شبكة مترامية الأطرف من العلاقات في جهات ودول تستطيع خدمة مصالح بلاده, ابتداء من نهرو في الهند وسكارنوا في إندونيسيا وانتهاء بجو إنلاي في الصين. ولكنه ارتكب في الوقت ذاته مجموعة لا يستهان بها من الأخطاء القاتلة. ففي الوقت الذي حرص فيه علي خلق جنة من السلام في كمبوديا, بمعني أنه نأي بنفسه عن الحروب في فيتنام ولاوس المجاورتين, إلا أنه تجاهل معاناة شعبه في الداخل فتضاعفت معدلات الفقر والفساد بشكل غير مسبوق. كما أرسي قواعد الديكتاتورية في بلاده من خلال خلق نظام الحزب الواحد. ومع رحيل الملك الأب. أصبح هون سن الذي يحتل رئاسة وزراء كمبوديا منذ نحو82 عاما هو صاحب اليد العليا والمحرك الرئيسي لمستقبل البلاد, خاصة أن الملك الإبن سيهاموني مدرب الباليه السابق لا يتمتع بقوة شخصية والده أو رؤيته السياسية. فالبعض يؤكد أن سيهانوك كان من الذكاء بحيث أنه لم يتجاهل المعارضة يوما وإن كان لم يفسح لها المجال بشكل واضح للتعبير عن نفسها. ولكن يبدو أن نافذة المعارضة قد دفنت معه. ولابد أن نشير إلي أن سيطرة هون سن المطلقة علي السلطة تعتبر بمثابة باب جديد يفتح أمام الصين للتدخل في الشئون الكمبودية كما يحلو لها, بدون أي محاذير أو تحفظات من قبل القيادة العليا للبلاد, والتي عادة ما كانت تتمثل في سيهانوك. فيحسب للملك الراحل أن تنازله عن الملك لصالح ابنه لم يمنعه من تسيير الأمور وفقا لرؤيته لمصلحة البلاد أو حتي نظرته للمستقبل. إن زيارة أوباما التاريخية لم تسفر في الواقع عن أي نتائج إيجابية كانت أو سلبية, لكنها أكدت أن كمبوديا تعاني من كم غير مسبوق من الفساد والانتهاكات الإنسانية, خاصة بعد وفاة سيهانوك, وإن كان الملك الراحل يتحمل بلا شك مسئولية عدم النضوج السياسي التي تعاني منها بلاده في الوقت الراهن. فسيطرته علي مجريات الأمور وديكتاتوريته حالت دون ظهور أجيال جديدة من السياسيين. كما أنه أتاح الفرصة أمام تصاعد النفوذ الصيني, وقضي علي أي أمل في إحلال الديمقراطية بين مؤسسات الدولة. ولكن هذا لا يمنع أنه كان صمام الأمان الذي ساعد في الحفاظ علي سيادة بلاده في مواجهة المطامع الخارجية علي مدي أعوام طويلة.