حل البرلمان ليس بالأمر النادر في الحياة السياسية اليابانية, فقد تكرر22 مرة منذ بدء العمل بالدستور الحالي عقب الحرب العالمية الثانية والذي ينص علي أن حق حل البرلمان من الاختصاصات الحصرية لرئيس الحكومة. . كما أن قرار يوشيهيكو نودا رئيس الوزراء ب تسريح أعضاء مجلس النواب ال480 والدعوة لاجراء انتخابات عامة مبكرة في16 ديسمبر المقبل لم يكن مفاجئا, فقد تمت الاشارة اليه في اغسطس الماضي, ثم أعلن نودا عن اعتزامه حل مجلس النواب قبل يومين من اتخاذ القرار رسميا. وعلي الرغم من انتفاء عنصري الندرة والمفاجأة فإن القرار أثار زوبعة من التحليلات التي حاولت تفسير الأسباب التي دفعت نودا لاتخاذ هذه الخطوة, خاصة أن استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا تشير إلي أن الحزب الليبرالي الديمقراطي المعارض( والذي حكم اليابان علي مدي أكثرمن50 عاما) هو الأوفر حظا للفوز في الانتخابات المبكرة وأن حزب نودا,الحزب الديمقراطي الذي تولي السلطة في البلاد في2009, سوف يمني بهزيمة ساحقة نظرا لتدني شعبيته. من جانبه برر يوشيهيكو نودا قرار حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة بأنه يأتي وفاء بالتزامه مع المعارضة, حيث كان قد عقد ما وصفه بعض المحللين بأنه صفقة مع الشيطان تعهد نودا خلالها بتقديم موعد الانتخابات العامة, التي كان من المفترض عقدها في صيف2013, مقابل الحصول علي دعم المعارضة لتمرير مشروع قانون لزيادة ضريبة الاستهلاك( تم إقراره في اغسطس الماضي). ثم اضطر نودا للجوء للمعارضة مرة أخري في الخريف الحالي لاقرار قانون يسمح بإصدار سندات جديدة لسد العجز في الميزانية وبالتالي تجنب تعرض البلاد لما يعرف ب الهاوية المالية(fiscalcliff), بالاضافة إلي اصلاح النظام الانتخابي وهو منح شينزو آبي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي المعارض ورئيس الوزراء الأسبق(2006 2007) فرصة ذهبية للضغط علي نودا للوفاء بوعده. ويميل عدد من المراقبين إلي إضفاء هالة من المثالية علي قرار نودا, الذي تولي رئاسة الوزراء في سبتمبر2011, مشيرين إلي انه رجل علي استعداد للتضحية للقيام بما يري أنه الأصح وان حله مجلس النواب كان بمثابة قرار الصادق الأحمق وذلك في اقتباس لعبارة قالها نودا نفسه اثناء جلسة برلمانية أخيرا عندما اتهمه زعيم المعارضة شينزو آبي بالكذب وانه يراوغ في تحديد موعد لاجراء الانتخابات المبكرة, فما كان من نودا إلا الاندفاع بالقول انه عندما كان في المدرسة الابتدائية كان يظن ان والده سيصرخ في وجهه بسبب سوء درجاته في الشهادة الا انه فوجئ بانه كان فخورا به لأن المدرسة دونت ملاحظة بأنه' صادق لدرجة الحمق. كما يؤكد عدد من المقربين من رئيس الوزراء أن لديه اصرارا كبيرا علي اتخاذ قرارات قاسية من أجل مستقبل أفضل لليابان حتي لو لم تلق قبولا لدي رجل الشارع أو حتي أعضاء حزبه. وفي مقابل ذلك التفسير المثالي يري فريق آخر من المحللين أن قرار نودا لا يخلو من الحسابات السياسية.فنودا, الذي يعد سادس رئيس وزراء لليابان خلال ست سنوات وثالث رئيس وزراء من الحزب الديمقراطي منذ2009, يدرك تماما صعوبة الظروف السياسية والاقتصادية التي تمر بها اليابان, خاصة مع تراجع الصادرات والاستثمار وانكماش معدلات النمو وارتفاع الدين المحلي, بالإضافة إلي توترات سياسية مع الجارة الصين وأكبر شريك تجاري بسبب الخلاف حول عدد من الجزر. كما يعي نودا تماما حرج موقف حزبه الذي تدهورت شعبيته بصورة كبيرة خلال فترة حكم سلفه ناوتو كان بسبب سوء ادارته لزلزال وكارثة فوكوشيما النووية, بالاضافة الي الاصلاح الضريبي الذي مررته حكومته. وهناك أيضا مسألة تزايد انشقاق الاعضاء عن حزبه وانضمامهم للحزبين المعارضين الجديدين الذين شكلهما عمدة طوكيو(حزب الشمس) وعمدة أوساكا( حزب التجديد) اللذين يفكران حاليا في الاندماج لتكوين جبهة ثالثة قادرة علي منافسة حزبي نودا وآبي خلال الانتخابات المقبلة. وبحسابات بسيطة,يجيدها تماما رئيس الوزراء بفضل خبرته كوزير سابق للمالية, ادرك أن إجراء انتخابات مبكرة لن يمنح الأحزاب الوليدة فرصة كافية للاستعداد وكسب تأييد قاعدة عريضة من الناخبين. كما أنه لن يمكن الحزب الليبرالي الديمقراطي, الذي ادار له اليابانيون ظهورهم في الانتخابات الماضية رغبة في التغيير والتقدم للأمام, من الحصول علي الاغلبية في مجلس النواب مما سيدفعه للدخول في تحالف مع احزاب ذات سياسات وأولويات مختلفة لتشكيل حكومة محكوم عليها مسبقا بالضعف والانقسام.كما يري المحللون أن نودا يراهن علي تزايد احتمالات تخبط شينزو آبي والذي كان قد أهدر فرصة سابقة في حكم البلاد وقدم استقالته لدواع صحية! وسواء كان قرار نودا بحل مجلس النواب ناتجا عن التزام اخلاقي أو حسابات سياسية فان الأمر المؤكد ان الانتخابات المبكرة لن تمنح الحزب الليبرالي الديمقراطي السلطة علي طبق من ذهب بل ستدخله امتحانا قاسيا قد تكون عواقبه وخيمه علي مستقبله السياسي.