فيلم تسجيلي عن الدور الوطني لنقابة الأشراف خلال احتفالية المولد النبوي    رئيس جامعة القناة يتفقد تجهيزات الكلية المصرية الصينية للعام الدراسي الجديد (صور)    «أنا مسامح والدها».. صلاح التيجاني يكشف ل«البوابة نيوز» سر انفصال والديّ خديجة ومحاولته للصلح    رسميًا الآن.. ارتفاع سعر الذهب عيار 21 اليوم الخميس 19-9-2024 بنهاية التعاملات بالصاغة    محافظ الدقهلية يتفقد أعمال رفع كفاءة كوبري المشاة أمام شارع المدير    فلسطين ترحب بقرار الأمم المتحدة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتطالب مجلس الأمن بتنفيذ القرار    البنتاجون: واشنطن قلقة من التصعيد في الشرق الأوسط.. واتفاق وقف إطلاق النار مهم    مسئول روسى يعلن تدمير ثلثي دبابات أبرامز الأمريكية فى أوكرانيا    وكيل ميكالي يكشف مفاجأة عن حقيقة قيادته منتخب الأولمبي    غزل المحلة يفوز على التحدى الليبى استعدادا لانطلاق الدورى الممتاز    مصرع ربة منزل سقطت من الطابق السابع في شبرا الخيمة    مصرع 3 أشخاص وإصابة 23 آخرين في حادث تصادم ميني باص بعمود إنارة بطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي    بدءا من السبت المقبل، انخفاض درجات الحرارة    المؤبد لعاطل بتهمة الإتجار في المخدرات ومقاومة السلطات بالقليوبية    مصرع سيدة وزوجها إثر انقلاب موتوسيكل بطريق السويس الصحراوى    هيئة البث الإسرائيلية: عشرات الطائرات شاركت في الهجوم الأخير على لبنان    ما أهمله التاريخ الفني عن محمد عبد الوهاب، فعالية ثقافية جديدة بدمشق    كلام البحر.. الموسيقار حازم شاهين يستعد لإطلاق ألبوم موسيقى إنتاج زياد رحباني    علي جمعة في احتفال «الأشراف» بالمولد النبوي: فرصة لتجديد الولاء للرسول    مستشفى "حروق أهل مصر" يعزز وعي العاملين بالقطاع الصحي باحتفالية اليوم العالمي لسلامة المرضى    للكشف عن الأنيميا والتقزم.. فحص 500 ألف طالبًا وطالبة في بني سويف    أمين الفتوى: سرقة الكهرباء حرام شرعا وخيانة للأمانة    7 أبراج مواليدها هم الأكثر سعادة خلال شهر أكتوبر.. ماذا ينتظرهم؟    عاجل.. تطور مفاجئ في الانتخابات الأمريكية بسبب العرب.. ماذا يحدث؟    تعرف على شروط الانضمام للتحالف الوطنى    956 شهادة تراخيص لاستغلال المخلفات    موقف إنساني ل هشام ماجد.. يدعم طفلًا مصابًا بمرض نادر    تكاليف مواجهة أضرار الفيضانات تعرقل خطة التقشف في التشيك    الدكتورة رشا شرف أمينًا عامًا لصندوق تطوير التعليم بجامعة حلوان    جوارديولا يحسم الجدل حول الذهاب إلى الدوري الإيطالي    مرصد الأزهر يحذر من ظاهرة «التغني بالقرآن»: موجة مسيئة    "مجلس حقوق الإنسان": المجتمع الدولى لا يبذل جهودا لوقف إطلاق النار فى غزة    التحالف الوطني للعمل الأهلي يوقع مع 3 وزارات لإدارة مراكز تنمية الأسرة والطفولة    مركز الأزهر للفتوى: نحذر من نشر الشذوذ الجنسى بالمحتويات الترفيهية للأطفال    مدبولي: الدولة شهدت انفراجة ليست بالقليلة في نوعيات كثيرة من الأدوية    إحباط محاولة تعدٍ على قطعة أرض مستردة من أملاك الدولة بالأقصر    بينها التمريض.. الحد الأدنى للقبول بالكليات والمعاهد لشهادة معاهد 2024    التغذية السليمة: أساس الصحة والعافية    عاجل| رئيس الوزراء يكشف تفاصيل حالة مصابي أسوان بنزلة معوية    محاكمة القرن.. مانشستر سيتي مهدد بالطرد من جميع مسابقات كرة القدم    برلماني عن ارتفاع أسعار البوتاجاز: الناس هترجع للحطب والنشارة    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    "الموت قريب ومش عايزين نوصله لرفعت".. حسين الشحات يعلق على أزمتي فتوح والشيبي    لبحث المشروعات الجديدة.. وفد أفريقي يزور ميناء الإسكندرية |صور    عاجل| حزب الله يعلن ارتفاع عدد قتلى عناصره من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ل 25    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    تشكيل أتالانتا المتوقع لمباراة أرسنال في دوري أبطال أوروبا    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    وزير التعليم العالي: لدينا 100 جامعة في مصر بفضل الدعم غير المحدود من القيادة السياسية    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    الأوبرا تقدم العرض الأول لفيلم "مدرسة أبدية"    انطلاق المرحلة الخامسة من مشروع مسرح المواجهة والتجوال    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    3 شهداء خلال حصار الاحتلال منزلا في قباطية جنوب جنين    محافظ المنوفية يضع حجر أساس لمدرستين للتعليم الأساسي والتجريبية للغات بالبتانون    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «الأمر صعب ومحتاج شغل كتير».. تعليق مثير من شوبير على تأجيل الأهلي صفقة الأجنبي الخامس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يحكي أن
لن تنتهي حكايتكم إلا عندما تعودون
نشر في الأهرام اليومي يوم 25 - 11 - 2012

كتب : أسعد طه أن تكون في خريشاتك في شهر أغسطس في عطلة نهاية الأسبوع‏,‏ فهذه مغامرة قلما يعود منها المرء تحديدا الرجل سالما‏,‏ الشارع الرئيسي بالعاصمة الأوكرانية كييف يغلق أمام السيارات أيام السبت والآحاد‏,‏ ليصبح مستوطنة للأزهار البشرية من كل نوع ومن كل عمر‏,‏ الموعد الأسبوعي لحالة من الفرح والبهجة التي لا تعرف لها سببا. قادني مرافقي إلي الرائد ريثما يساعدونني في مهمتي, خلال تجوالي في بلاد الله زرت مؤسسات إسلامية عديدة في المهجر, أشهد أن أتحاد المنظمات الإجتماعية في أوكرانيا الذي يحمل أسم الرائد هو مثال متفرد بينها, فرغم الإلتزام الديني الصارم للعاملين عليه إلا أنهم منفتحون علي المجتمع الأوكراني تماما, هذه الثنائية قلما يتمتع بها أحد
من عاصمة أوكرانيا إلي جنوبها, القرم, الذي هو شبه جزيرة, نائم في حضن بحرين, الأسود من الجنوب والغرب, وآزوف من الشرق, وشبه جزيرة القرم تتدلل لإعتبارين, لجمالها, ولتمتعها بصفة جمهورية ذات حكم ذاتي في أوكرانيا, وهي تعرف الإسلام, فقد وصلها في عهد السلطان محمد الفاتح, خمسون في المائة من سكانها روس, وثلاثون بالمائة أو كران, والباقي من التتار المسلمين, ماذا قلت, تتار ؟
نعم, تتار مسلمون, أطلقوا علي القرم أسمه بلغتهم, ويعني القلعة, وعلي عاصمتها المسجد الأبيض, لكنها معروفة باسم سيمفرويل, وفي زمن حكم خاناتهم كانت العاصمة مدينة أخري, أسمها بخش سراي, كنت شغوفا جدا إلي لقاء هؤلاء التتار, مطمئنا إلي أنهم عرقيا غير أولئك الذين غزوا بغداد قديما, وبالتأكيد غير هؤلاء الذين غزوها اخيرا.
في كل الأحوال سوف تنسي خريشاتك تقريبا عندما تصل يالطا, إحدي المدن الجميلة للقرم, البحر والخضرة والمقاهي والآيس كريم والموسيقي, والناس بلباس بحر يذكرك بما يرتديه السكان الأصليون في غابات الأمازون, وبما يوحي لك أنه الزي الرسمي هنا, تجده في الشوارع والأسواق والمطاعم والحافلات, شئ يكاد يستر بالكاد
وبالكاد أيضا أجتمع هنا من كان يطلق عليهم حينها الثلاثة الكبار, تحديدا في فبراير عام خمسة وأربعين من القرن الماضي, حيث عقد مؤتمر يالطا الشهير للبحث في تقسيم ألمانيا ومحاكمة النازيين, ليسبقني إلي يالطا الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت, ورئيس الوزارء البريطاني ونستون تشرشل, والرئيس السوفياتي ستالين, حكايتي تخص هذا الأخير
كنت بصحبة زميلي المخرج بهاء غزاوي نسمع حكايات من العجائز لننسج منها فيلما وثائقيا, ونحاول تخيل المشهد الأليم, ذاك الذي وقع في صبيحة الثامن عشر من مايو عام خمسة وأربعين, حين بدأت قوات الجيش السوفيتي في مداهمة بيوت السكان ضمن عملية ترحيل قسري لهم
تخيلوا الآلاف منا يشحنون كما الحيوانات في القطارات, رحلة تهجير قسري تنقلنا إلي مناطق تبعد عنا آلاف الأميال, بعضنا أبعد إلي سيبريا وبعضنا إلي الأورال, حيث الجبال موحشة والغابات مرعبة, لا تقطنها إلا حيوانات مفترسة, وفي الطريق مات منا بعضنا, فمتنا كلنا, حكي الناس لنا قرأت قبل لقائهم أن معاناتهم بدأت بوصول ستالين إلي السلطة في الشهر الأول من عام ثمانية وعشرين من القرن الماضي, فقد قرر إغلاق المساجد والمدارس الدينية, أو تحويلها إلي نواد رياضية وأصطبلات, ومنع استخدام الحروف العربية
فلما كانت الحرب العالمية الثانية, أكتسح الألمان شبه جزيرة القرم في نوفمبر من عام واحد وأربعين, فأنقسم أهلها بمن فيهم الروس إلي قليل حارب ضد الجيش الأحمر, وكثير قاتل في صفوفه, حينها تحدثت الصحف الروسية عن البطولات النادرة التي سطرها المسلمون التتار ضد الجيوش النازية وعندما حان عام أربعة وأربعين, شن الجيش الأحمر هجومه المعاكس, أنتصر وأنسحب الألمان, لكنه باشر في الإنتقام بمن أتهمهم بالخيانة, فأعدم من أعدم في مجازر جماعية, إلي أن تقرر طرد أهل البلاد من البلاد, ولم يشفع لبعضهم قتالهم في صفوف الجيش السوفياتي من كان يعتقد منهم حينها أن عام ألفين وخمسة سيأتي وهم في أرضهم, يقصون شهاداتهم لغرباء ينسجونها فيلما وثائقيا, هؤلاء الذين نجوا من الموت وبدأوا في العودة, بعد أن أعترف خروشوف في فبراير من عام ستة وخمسين بجرائم ستالين في تهجير الشعوب, وبعد أن أعلن غورباتشوف في عام سبعة وثمانين أن إبعاد التتار كان غير قانوني, وأنه يحق لهم العودة إلي ديارهم, بينما ديار الإتحاد السوفياتي تنهار
شهادات العجائز تحتاج حكاية أخري, هؤلاء الفرحون بالعودة إلي أرضهم, أما ديارهم فقد سكنها الروس والأوكران الذين باتوا يعيشون هنا, لكن حكايتهم دفعت المشاهد الفلسطيني علام صبيحات من رام الله ليكتب لي: جعلتني أعود بذاكرتي إلي واقعي هنا, بين وجوه أضاعت العمر تبحث عن عمر بين أزقة موت في حنايا مخيم, بأرض أصبحوا فيها غرباء وهي أرضهم
كانت رسالته تعليقا علي ختام الفيلم وفيه قلت: اليوم الأخير لي في القرم كان يوما جميلا, غير أنني سرحت بعيدا عن القرم وأهله, رحت أفكر في آخرين أحبهم, وددت لو رحت إليهم في مخيماتهم وقلت لهم واحدا واحدا ستعودون, والله كما عاد هؤلاء ستعودون, لا تضيعوا المفاتيح ولا الصكوك, صحيح قد يطول زمن الطغاة, لكنهم دوما يسقطون, أسألوا أهل القرم, هم يعرفون أنكم مثلهم, لن تنتهي حكايتكم إلا عندما تعودون.

twitter@assaadtaha


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.