يكاد يقترب عدد ضحايا حادث قطار أسيوط مع عدد ضحايا العدوان الصهيوني علي الأشقاء في غزة, إلا أن الفرق ضخم بين الكارثتين فالأولي الإهمال بطلها الرئيسي, والثانية نتيجة عدوان وغدر ومحتل دموي غاشم, ولكن للأسف تكاد تكون النتيجة واحدة هي سقوط ضحايا أبرياء في الحالتين. حينما وقع حادث قطار العياط منذ عدة سنوات قامت الدنيا ولم تقعد, واستقبال وزير النقل آنذاك أيضا نتيجة بشاعة الحادث وارتفاع عدد ضحاياه إلي ما يزيد علي300 قتيل وعدد ضخم من المصابين, وفي تلك الأثناء خرجت التصريحات لتزف إلي الشعب نهاية عصر حوادث القطارات وتخصيص8 مليارات جنيه من عوائد الخصخصة لتطوير السكك الحديدية, غير أن التطوير لم يحدث, واستمر تردي أوضاع السكك الحديدية لتصل إلي ما هي عليه الآن من مزلقانات غير مؤمنة, وقطارات متهالكة, وقضبان تكاد تنهار بما تحمله من قطارات. حادث قطار أسيوط ليس هو أول الحوادث, ولن يكون الأخير إذا استمرت حال السكك الحديدية علي ما هي عليه, ولا يعقل ونحن في القرن الحادي والعشرين ان تظل المزلقانات تعمل بالسلاسل والشادوف والحبال, وعلي مدار3 سنوات كاملة ومنذ الاعلان عن خطة التطوير لم يتم تطوير سوي27 مزلقانا من إجمالي المزلقانات الخطرة التي يصل عددها إلي345 مزلقانا منتشرة في طول مصر وعرضها بالوجهين البحري والقبلي. أتمني لو قام المستشار عبدالمجيد محمود بفتح تحقيق مستقل عن مشروع تطوير السكك الحديدية والمليارات التي تم تخصيصها له لنعرف أين ذهبت هذه المليارات؟ وماهي أوجه انفاقها؟ وهل كانت هذه الأموال حقيقية أم أنها كانت تصريحات وهمية؟ أعلم حجم الأعباء التي تتحملها النيابة العامة هذه الأيام لكن قضية الأهمال في السكك الحديدية لا تقل فسادا وخطورة عن القضايا المنظورة الآن, وعلي العكس ربما تكون تلك القضية أكثر خطورة مما هو منظور, لأنها تتعلق بأرواح ودماء المصريين المهدرة, والتي باتت رخيصة نتيجة تراكم الأهمال, وعدم الجدية في التعامل مع هذا الملف وغيره من الملفات التي تتعلق بحياة المصريين. سكك حديد مصر هي الأعرق والأقدم في العالم بعد سكك حديد المملكة البريطانية فهي ثاني سكك حديد في العالم, وكان من الطبيعي أن تحافظ علي مكانها ومكانتها باعتبارها الوسيلة الأكثر أمانا, والأكثر انضباطا, غير أنها مثل باقي الأشياء تدهورت ووصلت إلي ما هي عليه الآن, وبعد أن كنا نضبط الساعة علي وصول وقيام القطارات, ونتباهي بنظافتها وانضباطها تحولت إلي مولد وصاحبه غائب, فالقيام والوصول حسب الظروف, والقطارات أصبحت منتهي الفوضي والقذارة, ومرتعا للباعة الجائلين و المتنطعين دون ضابط أو رابط. أما الأخطر فهو افتقاد قطارات السكك الحديدية لمعايير الأمان والسلامة, وإفتقادها إلي كفاءة التشغيل, واستمرار العمل بالأساليب البدائية المتخلفة في المزلقانات حيث لا تزال أغلب المزلقانات تعتمد علي العمالة في الفتح والاغلاق, وشد السلاسل والحبال لإيقاف حركة سير السيارات والمشاة أثناء مرور القطارات مما يشكل خطرا جسيما علي أرواح المواطنين, وحتي أرضية المزلقانات فهي في منتهي الخطورة وتفتقد إلي الأساليب الحديثة في الرصف والتبليط, وزاد من خطورة الموقف دخول الباعة الجائلين علي الخط واحتلالهم لمداخل ومخارج الكثير من المزلقانات وسط صمت وعجز الأجهزة المعنية سواء من المحليات أو من الداخلية أو السكك الحديدية. في عام2009 أعلنت وزارة النقل عن مشروع لتطوير المزلقانات نتيجة ازدياد الحوادث المتعلقة بها, وكان المشروع يتضمن تطوير المزلقانات لتعمل أتوماتيكيا بحيث يتم الفتح والغلق آليا بعيدا عن العنصر البشري من خلال أجهزة تحكم فعالة وبوابات متطورة تعمل بالتزامن مع الأجراس والأضواء, بالاضافة إلي إنشاء غرفة نموذجية للخفراء والعمال مزودة بجميع المرافق الضرورية لهم اثناء خدمتهم اليومية, وكذلك رصف وتبليط المزلقانات بشكل حديث, واقامة مطبات صناعية بغرض تهدئة سرعة المركبات مع وضع اللافتات التحذيرية والتنظيمية في المداخل والمخارج. مشروع التطوير تعثر لأسباب متعددة منها ما يتعلق بالتمويل, ومنها ما يتعلق بالتعديات وعجز الدولة عن مواجهتها, وهذا هو التحدي الذي يجب أن تواجهه الحكومة من خلال إحياء هذا المشروع واستكماله وتوفير المقومات المادية والتنظيمية للانتهاء منه بأقصي سرعة.. فهل تفعل الحكومة ذلك أم ننتظر وقوع كارثة جديدة؟! المزيد من مقالات عبدالمحسن سلامة