ثلاثة محاور رئيسية جاءت برئيس الوزراء البريطاني جوردون براون إلي السلطة ولكنها كانت هي نفسها المحاور التي تسببت في اهتزاز ثقة الناخب البريطاني في رئيس وزرائه. بل وفي اهتزاز ثقة براون نفسه بسياساته وقدراته.فعلي الرغم من أن تاريخ براون المالي كان شفيعا له في توليه رئاسة الوزراء في بلاده خلفا لرئيس الوزراء العمالي السابق توني بلير, خاصة أن البريطانيين يدينون له بالفضل في الحفاظ علي استقرار البنك المركزي ورفض اليورو, فإنه سقط فريسة للأزمة المالية العالمية التي اعترف هو نفسه بفشله في التعامل معها, من خلال إقراره بارتكابه أخطاء في وضع السياسات المنظمة لعمل البنوك. وكان المحوران الآخران اللذان تسببا في زعزعة ثقة البريطانيين فيه من' تركة' بلير: الحرب في العراق, والحرب ضد الإرهاب في أفغانستان, وفي الحربين لم يحقق الوجود العسكري البريطاني في البلدين أي نجاح, ومازالت القوات البريطانية العاملة في أفغانستان تواجه مشكلات عديدة, فضلا عن أن مشكلة الإرهاب باتت قضية محلية و'صناعة محلية' بريطانية. فعلي الصعيد الاقتصادي والمالي, يري براون نفسه أنه تراخي في ضبط وتنظيم عمل البنوك منذ أن كان وزيرا للخزانة في الفترة من1997 إلي2007, عام توليه رئاسة الحكومة بعد بلير, ويقول إنه تعرض بالفعل إلي ضغوط من البنوك ومن الرأي العام من أجل إلغاء بعض القوانين المقيدة لعمل المؤسسات المالية, وهو ما تسبب في الانهيار الإداري والتنظيمي لهذه المؤسسات, وبالتالي دفع دافعو الضرائب البريطانيون وخاصة من الفقراء الثمن في النهاية عند وقوع الأزمة المالية العالمية. وبالنسبة لحرب العراق, لا يزال البريطانيون يتذكرون جيدا كيف كان جوردون براون أحد أفضل الموافقين دائماYesMan علي سياسات بلير وارتمائه في أحضان واشنطن قبل حرب العراق, وكيف كان أحد أقوي المؤيدين في الحكومة العمالية لحرب العراق, بينما جاء الانسحاب العسكري البريطاني من الأراضي العراقية والذي اكتمل في أغسطس2009 بهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه أو لتصحيح خطأ طال عمره, وحتي هذا القرار لم يتعامل معه البريطانيون بإيجابية, بل اعتبروه دليلا ملموسا علي المواقف الخاطئة التي تبناها براون وحزبه. ومن المقرر أن يكون براون علي رأس الشخصيات السياسية البارزة التي سيتم توجيه انتقادات علنية وحادة إليها بعد إعلان نتائج التحقيقات التي يجريها السير جون شيلكوت في ملابسات المشاركة البريطانية في حرب العراق, وهي النتائج التي من المنتظر أن يتم الإعلان عنها في نهاية العام الحالي. وفيما يتعلق بالحرب في أفغانستان, فمازالت بريطانيا لاعبا رئيسيا هناك باعتبار أنها صاحبة ثاني أكبر قوة علي الأرض في أفغانستان بعد القوات الأمريكية, ولكنها دخلت طريقا مليئا بالغموض عقب الحديث عن احتمال فتح باب للحوار مع حركة طالبان الأفغانية الأكثر نفوذا علي الأرض في مواجهة فساد حكومة الرئيس حامد كرزاي وضعفها. وأبسط ما يقال في وسائل الإعلام البريطانية فيما يتعلق بالدور الذي يلعبه براون وحكومته العمالية في أفغانستان هو' متي يكون قرار الانسحاب من أفغانستان أيضا'؟! وقد بدأت بوادر ذلك بالفعل في أيام براون الأخيرة, خاصة بعد تصريحاته نفسها التي قال فيها إنه ليس مستعدا لتعريض حياة الجنود البريطانيين للخطر دفاعا عن نظام كرزاي الذي لا يكافح الفساد, ولكنه في الوقت نفسه يعتبر الوجود العسكري البريطاني في أفغانستان خط الدفاع الأول في مواجهة الإرهاب, رغم اعتراف البريطانيين أنفسهم بتزايد مشكلة الإرهاب المصنوع محليا بين الأقليات والمهاجرين القادمين من دول آسيوية ومعظمهم يحمل الجنسية البريطانية, مما يعني أن الوجود العسكري البريطاني في أفغانستان ليس إلا حربا في المكان الخطأ! علي أي حال, فتراجع حزب العمال حاليا إلي المركز الثالث في استطلاعات الرأي خلف كل من المحافظين والأحرار الديمقراطيين يعبر تماما عن المأزق الذي وضع فيه بلير وبراون حزبهما, خاصة بسبب' الأخطاء الثلاثة' التي سبق الحديث عنها, وكل ما يخشي منه هو أن تتحول فكرة' الطريق الثالث' التي نادي بها بلير قبل قدومه إلي منصبه إلي' كابوس' تحول حزب العمال بأكمله إلي' الحزب الثالث' علي الساحة السياسية البريطانية, ليصبح شبيها بأندية كرة القدم الإنجليزية العريقة التي يتدهور مستواها تدريجيا وتنهار وتهبط إلي الدرجة الثانية.. والأمثلة عليها كثيرة!