لقد صادف رسول الله في حياته من الأزمات والمشاكل والعقبات ماتنوء الجبال بحمله ولكنه صلي الله عليه وسلم واجه كل ذلك علي ضوء تثبيت الله. ولست أبالغ إن قلت إن الحالة الحاضرة التي تمر بها مصر الآن من عجز وخلل اقتصادي وانفلات أمني بل ونقص مالي( سيولة نقدية)هو مأكد القرآن الكريم تعرض المسيرة الإسلامية في عصره صلي الله عليه وسلم لأشباه ذلك, وهو مااعتبره القرآن الكريم نوعا من الابتلاء الذي انتصر عليه الرسول وصحابته بالإيمان والصبر ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرينالبقرة/155 والسؤال الذي يجدر طرحه: في ضوء تشابه الظروف: هل يمكن لنا أن نعثر عبر حياته صلي الله عليه وسلم علي نموذج إعلامي قدم مضامين إعلامية تصلح أن تكون مرشدة للحالة الحاضرة ؟؟ والجواب: بكل تأكيد نعم. إذا فما هي الأدوار التي نهض بها إعلام محمد صلي الله عليه وسلم عند الأزمات؟ هل عكس الأمل؟ أم أشاع اليأس والقنوط؟؟ حقيقة الأمر إن إعلام محمد صلي الله عليه وسلم قدم أدوارا عديدة عند الأزمات يضيق المجال عن الإحاطة بها. لكننا نستطيع أن نركز علي الأدوار والمهام التالية:- أولا:- تقديم نماذج القدوة وصف أحد أساتذة الإعلام بعضا من مضامين فضائياتنا وعلق علي ما تقدمه ووصفها بفضائيات الاكتئاب قد يقول قائل إن وصف الواقع هو جوهر رسالتها. لكن الواقع بكل ما فيه من خير وشر وفضيلة ورذيلة وحسن وقبح بحيث لا يحدث نوع من الانتقاء والتركيز علي السلبي دون الإيجابي. ماذا فعل الأمين محمد صلي الله عليه وسلم حتي نقتدي به: مع محنة ترك الوطن وفراق الأحبة وقد جعلت رسول الله ينظر إلي مكة ليصفها بأنها أحب البلاد إلي الله وإلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت مع ذلك تقدم تجربة الهجرة نماذج عامرة بالعطاء حتي لاتكون الصورة مجرد سواد, فهذا صهيب يضحي بماله كله من أجل الله ورسوله فيقدمه الرسول نموذجا ربح البيع أبا يحيي ربح البيع أبا يحييس ز الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد البقرة/.207 ويقدم القرآن نموذج المهاجر الذي وعده الله بالأجر والثواب ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله النساء/100 وفي غزوة الأحزاب تحاصر الأحزاب المدينة من كل جانب' إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا الأحزاب/10 ومع ذلك كان نموذج الإبداع حاضرا في المشهد ومتجسدا عبر الواقع' من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا الأحزاب/23 وفي غزوة تبوك غزوة العسرة والشدة عبر النفاق عن ذاته وتبدي أشكالا وألوانا ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ومنهم من عاهد الله لين آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين التوبة/49,60,75 ولكن تجربة الشدة أفرزت مواقف إيجابية عبر عنها القرآن' الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون التوبة/20 لذا نريد من إعلامنا: من أخباره وتحليلاته وحواراته ما يرصد أن مصر غنية بأبنائها البررة, وثرية بنماذج العطاء, وسخية بمواطن التأسي والاقتداء حتي لا يشيع اليأس ويعم القنوط!! ثانيا:- مواجهة دعاوي التفرق والتشرذم:- لايخفي علي الجميع أن مصر تاريخا وحاضرا ومستقبلا مستهدفه من القريب والبعيد, والأمان في الوحدة والتجمع لافي التشرذم والتفرق. والتاريخ يعيد نفسه: هاهو رسول الله صلي الله عليه وسلم يواجه في المدينة خطر اليهود, وتتعرض دولته الناشئة لما تتعرض له مصر الآن!! ساء اليهود ماأحدثه الرسول من تآخ بين المهاجرين والأنصار,فقد أذاب الأوس والخزرج في بوتقة واحدة هي كتلة الأنصار الذين أووا ونصروا. أراد اليهود أن يسترجعوا صورة الماضي القريب وأن يجعلوا يوم بعاث عنوان المشهد حتي تضرب المسيرة الإسلامية في مقتل. عمد اليهود إلي أحد شبابهم واسمه شاس بن قيس وقالوا له: اجلس إليهم وذكرهم يوم بعاث, وأنشدهم ماكانوا يقولونه من الأشعار. وكادت تحدث فتنة عظيمة بين الأوس والخزرج. كيف واجه الرسول صلي الله عليه وسلم الأزمة؟؟ كان الرسول صلي الله عليه وسلم ينفذ إستراتيجية تقوم علي: الرصد الدقيق لكل مايحدث في الواقع. الالتفات إلي الدعاية المضادة. التدخل الفوري لعلاج أي بادرة غير إيجابية. خرج الرسول إلي صحابته وخطب فيهم: أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ ثم تلا عليهم قول الله تعالي الذي يحذر من الفتنة ويدعو الي الوحدة وينبه الي خطورة الأيدي الخفية لليهود'يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تتلي عليكم آيات الله وفيكم رسوله آل عمران/100,101 واستمر الرسول يقرأ حتي وصل لقوله تعالي واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا آل عمران/103 ما أحوجنا إلي إعلام يبني ولايهدم يجمع ولا يفرق يوحد ولا يشتت. ثالثا:- مقاومة الشائعات:- لعل المتابع لأداء بعض وسائل الإعلام وما يقع منها من تجاوزات وأخطاء لاتخلو من الاستهداف والقصد والتعمد في كثير من الحالات يدرك أن ترويج الشائعات بات أحد منتجات صناعة الإعلام في أيامنا هذه. وأصبح من المعتاد أن نري محاولات الكذب واضحة والافتراء ماثلة; بل والأعجب أن من يحاول التصدي لهذا العبث أصبح هو من يخنق الحرية ويصادر الإبداع ويتعقب الإعلاميين, ويكمم الأفواه!! كان الإعلام المحمدي يقف بالمرصاد لأمثال هذه الشائعات عند وقوعها: يوم أساء البعض تفسير قرار الرسول بتولية أسامة بن زيد قيادة الجيش وقف الرسول متسائلا في استغراب: مامقالة بلغتني عنكم في تأميري أسامة؟؟ والله إنه بالإمارة لخليق, وإن أباه من قبله بالإمارة لخليق فاستوصوا به خيرا فإنه من صالحيكم أي أن جدارته وأهليته سبقت توليته. ويوم حزن البعض لأن الرسول قد أعطي المؤلفة قلوبهم وحرمهم وقف الرسول خطيبا:' غضبتم علي في لعاعة من الدنيا(أي شئ قليل) تألفت به قوما ليسلموا ووكلتكم إلي إسلامكم' أفلا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير وترجعوا برسول الله إلي رحالكم' ماأحوجنا إلي إعلام يبحث ويدقق ويراجع قبل أن ينشر ويترصد كل كاذب ويتعقب كل مخادع, ويفضح كل ساع بالفتنة. وإلي كل الإعلاميين الشرفاء نقول' إن الحرية دون ضوابط أقرب ماتكون إلي الفوضي, وأن الرسول الكريم هدم مسجد الضرار( الوسيلة الإعلامية) إذ رأي سعيا إلي الضرر والكفر واتجاها إلي إشاعة الفتنة ودعما لمن حارب الله ورسوله. أدعوا الجميع إلي قراءة قصة مسجد الضرار في سورة التوبة لنعلم أن التقدير يجب أن يكون لإعلام ملتزم بالمهنية والأخلاق ومصلحة المجتمع, وأن ماعدا ذلك فلا محل له من الإعراب والتقدير!! المزيد من مقالات د. محمود يوسف