يعكس التطور في العلاقات المصرية السورية ما هو أبعد من تحسين العلاقات الثنائية, ويحتاج إلي تحضير جيد وانضاج التطور في العلاقة علي نار هادئة لتجنب حدوث انتكاسات قد تفرض نتائج سلبية بأكثر. مما كان قائما خلال السنوات الخمس الماضية, فالحركة باتجاه تحسين العلاقات يلاحظ أنها لا تتصل بملفات ثنائية وإنما موصولة في إطار أوسع يضم السعودية بملفات إقليمية في مقدمتها الملف اللبناني والملف الفلسطيني وامتدادات هذين الملفين في أماكن أخري خارج المنطقة العربية, كنوع من الملفات تحتاج إلي وضوح كما تحتاج الي رسائل محددة في إطار اعتراف مصر بخصوصية العلاقة السورية اللبنانية واعتراف سوريا بخصوصية العلاقة المصرية الفلسطينية لاسيما مع قطاع غزة. ويري المراقبون أن مصر وسوريا ربما توصلا إلي تفاهمات في هذا الصدد تفتح الباب أمام نوع جديد من العلاقة بين مصر وحزب الله من ناحية وبين سوريا والسلطة الفلسطينية وحركة فتح من ناحية أخري بتجاوز الماضي في إطار الاحترام المتبادل للقرارات الاستراتيجية لكل دولة وما يخص تحالفاتها وعلاقاتها الإقليمية. ومن ثم تحظي العلاقات المصرية السورية باهتمام كبير من جانب المسئولين والأوساط السياسية في لبنان الذين يترقبون زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لمصر خلال الأيام المقبلة في ضوء مواقف مصرية تستحق الإشادة آخرها إعلان مصر علي لسان وزير الخارجية أبو الغيط خلال زيارته بيروت يوم السبت الماضي الادعاءات الأمريكية والإسرائيلية بنقل سوريا صواريخ سكود إلي حزب الله ووصفها بكلمات واضحة بأنها أكذوبة كبري, وإرساله إلي نظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون رسالة في أعقاب الزيارة تؤكد تضامن مصر مع سوريا ولبنان ضد التهديدات الإسرائيلية مفادها أن موقف مصر من هذه الأزمة يختلف عن موقفها من أزمة عام2006, وسط تقدير سوري لبناني لتحركها الدولي في مواجهة تهديدات إسرائيل. وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدة مؤشرات لتغير في أجواء العلاقات المصرية السورية لجهة حدوث تحسن وعودة العلاقات إلي طبيعتها منذ تصريحات وزير الخارجية أحمد أبو الغيط التي وصف فيها سوريا بأنها ميزان المشرق العربي, ورفض تحميلها مسئولية عدم توقيع حركة حماس ورقة المصالحة الفلسطينية, وأكد سعيها للمصالحة العربية والفلسطينية, ونفي وجود أزمة في العلاقات, واعتبر أي اعتداء إسرائيلي عليها وعلي لبنان خطا أحمر, مرورا بزيارة وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد لدمشق, وزيارته نظيرته السورية لمياء عاصي للقاهرة, وانعقاد اللجنة المشتركة التجارية في اللاذقية, وانتهاء بإعراب الرئيس السوري بشار الأسد عن رغبته في زيارة مصر لتهنئة مبارك بسلامته بعد إجراء العملية الجراحية في ألمانيا. ووصف أبو الغيط مشاعر الأسد بأنها مشاعر دافئة, وإعلانه أن الزيارة لم تتأخر وأن اللقاء الثلاثي بحضور خادم الحرمين الشريفين يحتاج إلي ترتيبات, وإعرابه عن تطلع مصر إلي تطوير العلاقة مع سوريا إلي ما يبتغيه البلدان بوصف العلاقات بين مصر وسوريا علاقة محورية في العمل العربي المشترك. رئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي قال ل: الأهرام ردا علي سؤاله حول العلاقات المصرية السورية وأهميتها بالنسبة للبنان: إن لبنان يهمه أن تكون العلاقات بين البلدين جيدة مبررا ذلك بأن له انعكاسات ايجابية علي لبنان. ولا يعتقد ميقاتي أن مصر ترغب في ربط وتيرة التقدم في العلاقات بين لبنان وسوريا بوتيرة التحسن في العلاقات بينهاوبين سوريا وعزا ذلك إلي أن الجميع يعلم أن العلاقة بين لبنان وسوريا علاقة فريدة نظرا لطابعها الجغرافي والتاريخي والاجتماعي( الروابط العائلية) ولذلك نحن في لبنان لا نربط علاقتنا مع سوريا بأي علاقة أخري في العالم العربي بما في ذلك العلاقات المصرية السورية. ويضيف ميقاتي: أن مصر في الأساس تلعب دورا توفيقيا ليس فقط بين اللبنانيين للحفاظ علي الاستقرار في لبنان وإنما في المنطقة العربية, وما أفهمه هو أن مصر تلعب دورا واحدا وتوجه رسالة واحدة في هذا الصدد محورها ضرورة الحفاظ علي الاستقرار في لبنان وتحقيق المصالحة بين الدول العربية, مشيرا إلي أن العلاقات اللبنانية السورية تسير علي ما يرام, ومعربا عن الأمل في أن تعود العلاقات المصرية السورية إلي طبيعتها. وبينما قال الرئيس الأسبق أمين الجميل ل الأهرام: إنه لا يري في الأفق شيئا سريعا علي صعيد تحقيق المصالحة المصرية السورية, إلا أنه شدد علي أهمية تحسن المناخ العربي بشكل عام لما فيه من تدعيم الموقف في مواجهة التحديات والتهديدات الإسرائيلية للبنان ولسوريا, مثمنا مواقف مصر التي تلعب دورا أساسيا وطليعيا في دعم لبنان لمساعدته في مواجهة الاستحقاقات وباتجاه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليس لأغراض شخصية أو عائلية وإنما لمنع تكرار هذا النوع( اغتيال الحريري) من الجرائم ولدرء هذا النمط من الأعمال الإجرامية. وبطبيعة الحال لا تتباين المواقف بين التيارات والشخصيات السياسية في لبنان حيال التطور في العلاقة بين مصر وسوريا, وأهميته لاستقرار لبنان, لكن المشاعر شئ مختلف قد تخفي أحيانا رهانات وأمنيات من زمن فات.