لم ولن يكون حادث استشهاد أحد رجال الشرطة برصاصات غادرة خرجت من سلاح آلي, علي أيدي البلطجية والخارجين علي القانون, هو الأخير الذي يترك وراءه أطفالا قد تيتموا. ونساء قد ترملن, وأمهات ثكالي, وآباء فقدوا فلذات أكبادهم، كذلك لم ولن ينتهي مسلسل سقوط ضحايا جدد من المواطنين الأبرياء العزل, نتيجة رصاصات طائشة أو بلطجة سافرة. فقد شهدت مدينة المحلة الكبري, وقوع حادث مروع, راح ضحيته كل من رقيب الشرطة حسن فوزي حسن من قوة قسم شرطة أول المحلة, وطفل يدعي المغاوري محمد عبد العال( عامل بورشة كاوتش), كما أصيب رقيب شرطة سري فوزي محمد أحمد, في حين لقي مصرعه المدعو محمود عبد الحافظ( مسجل خطر).. في تبادل لإطلاق النار بين البلطجي وبحوزته بندقية آلية, وقوات الشرطة حتي لا يتمكن من الهرب.. وذلك في أثناء محاولته الحصول علي كميات من البنزين دون وجه حق من محطة أولاد عيد بمنطقة المشحمة بأول المحلة.. وعلي أثر ذلك انقلب حال المدينة رأسا علي عقب, حيث قام أمناء وأفراد الشرطة بقسم أول المحلة وعدد من أهالي الضحايا بالتجمهر أمام مستشفي المحلة العام, ومنع الأطباء وطاقم التمريض من أداء عملهم, مما أحدث حالة من الفوضي داخل المستشفي, بالإضافة إلي الإضراب عن العمل بقسم الشرطة; احتجاجا علي تكرار وقوع ضحايا من أفراد الشرطة في مواجهات مع الخارجين علي القانون, مطالبين بضرورة تغيير الأسلحة والذخائر لعدم تماثلها مع الظروف الأمنية الحالية, في الوقت الذي توجد بحوزة البلطجية أنواع مختلفة من الأسلحة, وتعديل الضوابط الخاصة بالحوافز, والتضرر من عدم قيام النيابة العامة بإجراء تحقيقات في وقائع التعدي علي قوات الشرطة, وقضايا التشكيلات العصابية والبلطجة والتأشير علي الأوراق بإخلاء سبيل المتهمين في هذه القضايا دون تحقيق وإصدار قرارات رادعة لهم, بالإضافة إلي مطالبة وزارة الداخلية بضرورة صرف إعانات مالية لأسرة شهيد الشرطة, ورعاية أسرته وأولاده. وفي موكب جنائزي كبير, شيع أهالي قرية صفط تراب التابعة لمركز المحلة الكبري, واللواء صالح المصري, مدير أمن الغربية, وقيادات الأمن بالمحافظة, جنازة شهيد الشرطة الرقيب حسن فوزي حسن, الذي اغتالته يد البلطجة الآثمة وهو يؤدي عمله, حيث كانت مشاعر الحزن ومظاهره قد فرضت نفسها علي القرية التي يشهد فيها الصغير قبل الكبير علي حسن أخلاق الشهيد, وسيرته الطيبة بينهم جميعا, حتي تحول موكب الجنازة إلي حديث مكتوم بالبكاء والنحيب علي هذا الرجل الذي ترك خلفه أبناء ضعافا, لا يملكون من حطام الدنيا شيئا, سوي سيرة والدهم الراحل, الذي كانوا ينتظرون عودته من عمله وقد حمل إليهم ما يحتاجون إليه, وقدم كل منهم إليه مطالبه سواء من مصروفات الدراسة أو الدروس الخصوصية وغيرها من الاحتياجات الضرورية, إلا واستجاب لهم بنفس راضية وابتسامة لم تفارق وجهه حتي رحل عنهم. حيث يؤكد سعد القرضاوي( من أبناء صفط تراب- موظف بالأزهر الشريف) أن الشهيد كان مثالا للأخلاق الحميدة والاجتهاد والتفاني في عمله من أجل أسرته, حتي إنه كان يعمل ليل نهار من أجل أن يوفر لأسرته ضروريات الحياة, خاصة أنه لا يملك من حطام الدنيا شيئا سوي راتبه. ويشير إلي أن الفقيد رحل تاركا وراءه أسرة مكونة من زوجته حميدة نصر مازن(ربة منزل) وثلاثة أولاد, جميعهم في مراحل التعليم المختلفة, وهم: عبير(16 عاما) وفوزي(13 عاما) وعبد الرحمن(11 عاما). ويضيف أحمد عز( أحد جيران الشهيد- موجه لغة عربية) أن الابن الصغير للشهيد ويدعي عبد الرحمن أبكي كل من حضر صلاة الجنازة, في أثناء خروجها من المسجد, حيث إن بكاءه المر علي رحيل والده وكلامه البريء عن فقد من كان يعطيه مصروفه ويشتري له ملابس العيد وغيرها من الأمور حيث لن يعوضه عن فقد أبيه أحد, إلا أن تشملهم عناية السماء برحمتها, وتقدم لهم وزارة الداخلية يد العون والمساعدة حتي يستطيعوا استكمال دراستهم. في حين يؤكد السيد صلاح عز( صديق الشهيد وجاره) أنه فقد أخا كبيرا حيث كانا لا يفترقان, فكان نعم الجار ونعم الصديق. أما زملاء الشهيد فقد انخرطوا في بكاء متواصل لما أصاب زميلهم, الذي ترك مواقفه النبيلة وشهامته تتحدث عنه في غيابه عنهم, وقد واراه الثري, وكل عزائهم فيه أن تتولي وزارة الداخلية, أسرته بالرعاية والاهتمام, وقد قام المستشار محمد عبد القادر, محافظ الغربية, بزيارة أسرة شهيد الشرطة الرقيب حسن فوزي, لتقديم واجب العزاء في ابن محافظة الغربية, وقرر صرف مبلغ3 آلاف جنيه إعانة عاجلة لأسرته. وفي منطقة أبو شاهين بمدينة المحلة الكبري, لم يختلف الحال كثيرا عنه في قرية صفط تراب, سواء في مظاهر الحزن أو مشاعره التي ملأت شوارع المنطقة ومنازلها العشوائية, خاصة أن الفقيد هنا هو طفل بألف رجل( حسب قول أهل المنطقة) وهو الطفل المغاوري محمد عبد العال(12 عاما) الذي كان يتلقي تعليمه نهارا بمدرسة الحرية الابتدائية, ويعمل مساء بورشة كاوتش بمنطقة المشحمة التي شهدت الحادث الأليم, ليساعد أسرته الفقيرة ذات العدد الكبير في مصاريف البيت, ويوفر علي والده الذي يعمل( نجار مسلح) تكاليف دراسته, فكان أحب الأولاد إلي قلبه.. إلا أن رصاصة طائشة أصابت كل أحلام هذا الطفل في مقتل, وتحولت إلي كابوس مفزع في كل بيت بمدينة المحلة الكبري; حيث أصبحت كل أسرة تخاف أكثر علي أطفالها, في ذهابهم وإيابهم, من رصاصة طائشة في شوارع المدينة خاصة المناطق العشوائية التي تكتظ بها.. فقد كان المغاوري يعمل في أمان الله, حتي أن والده أكد لنا أنه من شدة حبه لعمله كان يتمني أن يصبح أسطي كبير له ورشته الخاصة به; ليستطيع أن يصرف هو علي شقيقاته الثلاث وأشقائه الثلاثة أيضا, بالإضافة إلي والديه اللذين يعملان ليل نهار حتي يتمكنا من تلبية احتياجات أبنائهم السبعة. ويشير والد مغاوري, إلي أنه التقاه قبل وقوع الحادث بنصف ساعة, في أثناء عودته من عمله ليطمئن عليه وعما إذا كان قد انتهي من عمله هو الآخر فيرجعان معا إلي البيت, خاصة أن الوقت متأخر جدا.. وفي حزن شديد والدموع تنهمر من عينيه يقول والد الطفل الشهيد: لم أكن أعلم أنها آخر مرة ساراه فيها.. لقد فقدت سندي.. فقدت فعلا فلذة كبدي. ويضيف الأب المكلوم: لقد استشهد ابني في يوم مولده.. ولأن ظروف الحياة صعبة, فلم يكن أحد منا يعرف معني عيد الميلاد. أما الأم الثكلي والدة الشهيد وتدعي سهام أحمد( ربة منزل) فتقول والكلمات تأبي أن تخرج إلا بالدموع والدماء معا: كان مغاوري حريصا علي إرضائي, فيقوم بتلبية كل ما أطلبه منه, رغم أن كان يجمع بين المدرسة والعمل. وتطالب وقلبها يحترق حزنا عليه, المسئولين بضرورة القصاص له, لأنه لا شيء سيعوضها عن ضناها سوي القضاء علي كل مجرم وبلطجي في المحلة وغيرها من المدن والقري. أما أهالي منطقة أبو شاهين فقد طالبوا المحافظ بضرورة تقديم الرعاية الكاملة لأسرة مغاوري خاصة أنها أسرة فقيرة ولا تملك من حطام الدنيا شيئا.