هل أصبحنا بارعين في قتل الابتكار وصناعة الفشل والإحباط؟ هل ستستمر الحكومة في إهمال المبادرات العلمية الجادة لتوظيف العلم في خدمة التنمية والمجتمع حتي في مصر بعد الثورة ففي الوقت الذي تتسابق فيه دول العالم وبالأخص دول الخليج مثل الإمارات والسعودية- لإنشاء المباني الذكية والمدن الخضراء الصديقة للبيئة التي تستخدم الخامات العضوية والطبيعية من وحي البيئة, وتوفر احتياجاتها من المياه والطاقة ذاتيا وتنفق في ذلك المليارات من الدولارات, نقتل بأيدينا مشروعا مصريا صميما ابتكره فريق بحثي من جامعة جنوبالوادي لمنزل ريفي عصري من الخامات الطبيعية المتوافرة في الصعيد ويستلهم روح المكان ويولد مختلف احتياجاته من الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية, في تكرار لمسلسل طويل من الإهمال المتعمد الذي لا يمكن السكوت عليه بعد الآن. وقد سبق ل الأهرام أن احتفت بهذا المشروع المهم منذ عشر سنوات وللأسف لم يعر أحد اهتماما للأمر. يقول دكتورعادل الدنقلاوي أستاذ الفيزياء بكلية العلوم بقنا والمستشار الفني والمسئول عن تنفيذ المشروع بحروف تقطر مرارة وأسي:' يبدو أن شيئا لم يتغير في مصر الثورة, فالجهات الرسمية' ودن من طين وأخري من عجين' لأي مشروع مبتكر أو بحث علمي جاد يسهم في التنمية وتحقيق التقدم والتطور الذي ننشده جميعا. فقد مر الآن أكثر من عقد كامل علي المشروع دون أن تفكر أي جهة رسمية في تدعيمه من أجل نشره وتعميمه في الصعيد والدلتا وغيرهما من الأقاليم النائية وقد سبق أن تلقينا مبادرة من إحدي الجهات الخاصة إلا أن الأمر توقف بسبب الروتين والبيروقراطية. السر في القلل يصف لنا دكتور عادل المشروع قائلا: لقد شكلنا في جامعة جنوبالوادي فريقا بحثيا متميزا صمم منزلا يشكل نموذجا للمنزل الريفي الحديث الذي يربط بين أصالة وعراقة الماضي وتكنولوجيا الحاضر في صورة عصرية, حيث أمكن تطوير نموذج المهندس حسن فتحي بقرية القرنة بالأقصر وأدخلنا الخامات الطبيعية الموجودة في قنا واعتمدنا علي القلل القناوي في وضع رأسي بدلا من الأحجار للاستفادة من قوة التحمل الرأسي وتجنب الكسر وتراكم الأمطار علي الأسطح. تتميز القلل القناوي المصنوعة من الفخار بقدرتها علي تخفيض حرارة المنزل بمعدلات أعلي, فبينما يخفض نموذج المهندس حسن فتحي من الحرارة بنطاق يتراوح بين8 و12 درجة عن الخارج, تخفض القلل القناوي الفخارية حرارة المنزل عن الخارج بمعدلات تتراوح ما بين18 و22 درجة. الطريف علميا بحسب الدنقلاوي- أن خصائص الفخار التي تساعد علي التبريد هي نفسها التي تساعد علي التدفئة في الشتاء, حيث يعمل الهواء المحبوس داخل القلل كطبقة عازلة بين الوسط الداخلي والخارجي ومن ثم يحتفظ المنزل بدرجة الحرارة الداخلية له وأيضا درجة الحرارة المشعة من الأرض لتكون أعلي من الوسط الخارجي بين7 و13 درجة دون استخدام أي وسائل للتدفئة. كما يتم تجديد التهوية داخل المنزل بطريقة طبيعية, فقد تم تصميم سقف المنزل بنظام القباب المصنوعة أيضا من القلل, والمزودة بفتحات للتهوية والإنارة, وهي عبارة عن قلل مائلة تساعد علي طرد الهواء الساخن وتلطيف الحرارة داخل المنزل, فعند ارتفاع الحرارة تقل كثافة الهواء الساخن ويرتفع لأعلي ليخرج من فتحات التهوية باستخدام نظرية تفريغ الهواء. ويستمد المنزل طاقته من ألواح الخلايا الشمسية علي سطح المنزل تنتج550 وات لتوليد الكهرباء للإنارة وتشغيل الأدوات الكهربية بالتبادل, ويعتمد علي الأثاث المصنوع من جريد النخل الموجود بوفرة في الصعيد. القيمة الاقتصادية للمشروع ويقول الأستاذ الدكتور محمد عز الدين رشاد نائب رئيس جامعة جنوبالوادي لشئون التعليم والطلاب الأسبق: يحقق هذا النموذج قيمة اقتصادية عالية للمجتمع والبيئة, من أهمها علي الإطلاق أن الخامات المستخدمة متوافرة في محافظة قنا, مما يخفف الضغط علي تجريف الأراضي الزراعية لتصنيع الطوب الأحمر, والتخلص كذلك من الأدخنة الناتجة عن احتراق قمائن الطوب الاحمر التي لها مخاطر صحية علي الإنسان والحيوان, وكذلك المحافظة علي البيئة وإحياء صناعة الفخار التي أوشكت علي الاندثار, مما يعني توفير الآلاف من فرص العمل لمستويات تعليمية مختلفة' ويأمل الدكتور رشاد أن يلقي هذا المجهود الضخم من أبناء الصعيد صدي عند الجهات الحكومية المسئولة, بحيث تتم الاستفادة منه في تعمير توشكي والمناطق النائية بمصر التي يصعب وصول المرافق إليها ومن ثم الانطلاق إلي نهضة مصر لتحتل مكانتها الطبيعة كدولة عمرها سبعة آلاف عام.