.. أكاد أقطع بأن أحدا في مصر يعرف أن المائة يوم الأولي, ومحاسبة الدكتور مرسي عليها ليس من بنات أفكاره, وانما هي من التقاليد التي أرساها اليونانيون الأقدمون عندما اخترعوا نظام الديمقراطية وأسموه: حكم الشعب بالشعب وللشعب.. وقالوا إن المائة يوم الأولي كفيلة أن نعرف شيئا واحدا هو: هل كانت برامج المرشح للرئاسة مجرد شعارات أم أنه وضعها موضع التنفيذ وبدأ بالفعل في تحقيقها.. وأذكر أنها ليست قاعدة أساسية بدليل أن الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي عندما أرادت الصحافة أن تحاسبه علي ما تم الشروع في انجازه في المائة يوم الأولي لرئاسته, رفض ولم يستجب وقال قولته المشهورة: حاسبوني بعد فترتي الأولي! وكان له ما أراد.. أما فرانسوا هولاند الرئيس الفرنسي الحالي, فلقد كانت الصحافة شرسة معه وحاسبته.. لكنها اعترفت بانجازاته الأولي واخفاقاته الأولي أيضا, ورأت أنه شرع في تنفيذ ما كان يقوله في زمن الانتخابات, لكي بقي جزء مما قاله مجرد شعارات أو حبر علي ورق! أقول ذلك حتي لا يظن البعض أن المائة يوم الأولي من اختراع رئيس الجمهورية في مصر, وأنا هنا لا أدافع عن الدكتور مرسي لكن احقاقا للحق يجب أن نقول إن الرجل نجح أيما نجاح في سياسته الخارجية وأعاد لمصر هيبتها بعد طول موات.. لكن سياسته الداخلية الخاصة بالخبز والأمن والطاقة والمرور والنظافة.. لم يحقق منها إلا النذر اليسير والسبب أنه في الأولي اعتمد علي رؤيته ونفسه أما في الثانية فقد اعتمد علي آخرين بما فيهم الشعب.. لذلك حدث التقصير.. لكنه ليس بدعا في هذا.. فقد سبقه الرئيس الفرنسي الحالي.. الذي حقق أشياء وأخفق في أشياء!! أما تعبير الأخونة ويعني أن الدكتور محمد مرسي عضو في جماعة الإخوان المسلمين, وكان رئيسا لحزب الحرية والعدالة الذي يعرف بالجناح السياسية لجماعة الاخوان, وعندما أصبح رئيسا لكل المصريين وضع من يثق فيهم من جماعة الاخوان في المناصب التنفيذية في الدولة, وهذا إجراء ديمقراطي يعرفه الجميع, بمعني أن الاشتراكيين فازوا في فرنسا وجاء رئيس حزبهم الاشتراكي فرانسوا هولاند رئيسا لفرنسا.. بعبارة أخري, هل سمعنا أن الرئيس الفرنسي( الاشتراكي) استعان برجل يميني ليشغل منصب رئيس الحكومة أو وزير الخارجية.. لم يحدث هذا وانما( وبحسب الديمقراطية) وضع الرجل من يثق فيهم من الاشتراكيين وعلي رأس الهيئات التنفيذية في الدولة.. وهو مقتنع تماما أنه لم يفعل إلا ما تقتضيه الديمقراطية.. ولم يقل أحد كالحال عندنا أنه قام بشركنة الدولة من الاشتراكية ولم يتهمه أحد كالحال عندنا بأنه قدم فرنسا لكي يبتلعها الاشتراكيون! كما نقول نحن ان الدكتور مرسي قدم مصر لكي يبتلعها الاخوان!.. ثم ان السؤال الأهم: هل قبلنا بمبادئ وأدبيات العمل الديمقراطي.. أم لا؟! اذا كان ذلك كذلك وجاء مرسي من خلال الكلمة الفصل التي أكدتها صناديق الاقتراع, وتعيش مصر حاليا حالة غير مسبوقة وهي أن الشعب اختار رئيسا مدنيا بالانتخاب لأول مرة.. فلماذا إذن الغضب والاتهامات.. ديمقراطيا ليس من حقنا أن نقول كلمتنا إلا في صناديق الاقتراع القادمة.. أما الآن فدعو الإخوان يعملون.. ولا تنسوا أنهم فصيل سياسي مثل باقي القوي السياسية الأخري.. وعلينا أن نتحرر من فكر الجماعة المحظورة الذي كان.. المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي