موسكو د. سامي عمارة : مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية في مطلع نوفمبر المقبل يتزايد الجدل في الساحة السياسية الروسية حول الخيار بين مرشحي الرئاسة, ومدي افضلية كل منهما بالنسبة لمصالح روسيا علي ضوء تصريحاتهما, ومنها ما قاله اوباما حول انه سيكون اكثر مرونة مع موسكو في حال فوزه واعتبار منافسه الجمهوري رومني روسيا بوصفها العدو الجيوسياسي الاول للولايات المتحدة. ما بين المد والجزر سارت علاقات القوتين الاعظم منذ اعلان الطرفين في مالطا في ديسمبر1989 عن نهاية الحرب الباردة.وبغض النظر عما تخلل هذه العلاقات من ومضات مضيئة خالها البعض مقدمة لشراكة استرتيجية, فان تغيرا جوهريا لم يحدث في مقاصد كل من القطبين تجاه الآخر وهو ما كان في مقدمة اسباب عدم استقرار العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة علي وتيرة واحدة. وفيما يذكر التاريخ القريب الدور الذي لعبته الولاياتالمتحدة في زعزعة اركان الاتحاد السوفييتي السابق وتكريس الفوضي التي عمت البلاد بعد انهياره بما تخللته من انفجار الحركات الانفصالية وتدمير الاقتصاد الروسي, فانه يذكر ايضا التقارب الذي اسفر عن العديد من الاتفاقيات في مجال الحد من التسلح والتعاون في مجال مكافحة الارهاب وهو ما تم انجازه خلال العقود القليلة الماضية. علي ان ما حققته موسكو من اختراقات مع الجمهوريين ابان سنوات حكم الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريجان وخلفه جورج بوش الاب الذي وقع مع ميخائيل جورباتشوف اعلان نهاية الحرب الباردة في مالطا, لم يكن مقصورا علي فريق بعينه, حيث عادت وحققت مثله مع الرئيس الديموقراطي الاسبق بيل كلينتون في تسعينيات القرن الماضي. غير انه لم يمض من الزمن الكثير حتي عادت موسكو مع الرئيس فلاديمير بوتين لتعلن القطيعة مع الرئيس بوش الابن بعد قرابة سبع سنوات من التعاون المثمر في مجال مكافحة الارهاب الدولي وبما سمح لموسكو بتصفية الحركات الانفصالية في القوقاز. وكان بوتين فاجأ العالم باعلانه في مؤتمر الامن الاوروبي في ميونيخ في فبراير2007 عن رفض بلاده هيمنة القطب الواحد وادانتها محاولات الجمهوريين الانفراد بالقرار الدولي, بعيدا عن مظلة الشرعية والامم المتحدة, وهو الاعلان الذي يظل علامة فارقة في علاقات القطبين الأعظمين منذ ذلك الحين. وقد عاد ليكشف في وثائقه التي اعلنها في معرض حملته الانتخابية الرئاسية في مطلع العام الجاري عن ان تغيرا جذريا لم يطرأ علي علاقات البلدين في اشارة الي عدم التزام واشنطن بما اعلنته في مجال الحد من التسلح بما في ذلك ما يتعلق بمشروعها حول الدرع الصاروخية واصرارها علي نشرها علي مقربة مباشرة من الحدود الروسية مما يخل بالتوازن العسكري السياسي الذي طالما بذل البلدان الكثير من الجهد من اجل اقراره.واذا كان بوتين اعلن أخيرا عن ان بلاده سوف تتعامل مع من يختاره الشعب الامريكي معتبرا ما قاله رومني حول ان روسيا تظل العدو الجيوسياسي الاول لبلاده من قبيل مستلزمات الحملة الانتخابية, فانه في واقع الامر يبطن غير ما يعلن. فلم يكن لبوتين ان يقبل ما قاله رومني ايضا حول ان روسيا ليست دولة صديقة للولايات المتحدة في الساحة الدولية, مما يجعل تصريحات الرئيس أوباما حول مرونته الموعودة تجاه الروس مثيرة للقلق.وكان رومني قال ايضا ان روسيا تواصل دعمها سوريا ولإيران ووقفت بوجه الولاياتالمتحدة عندما أردنا فرض عقوبات قاسية علي طهران. ورغما عن ذلك فان هناك في الساحة الروسية من يقف مؤيدا فوز رومني في الانتخابات المقبلة مثل فيتالي تريتياكوف احد ابرز خبراء السياسة الدولية في موسكو الذي قال صراحة إنه يثق أكثر بأولئك الأمريكيين الذين يعلنون علي الملأ ودون مواربة أنهم لا يحبون روسيا, وذلك بخلاف أصحاب الدعوات إلي ما يسمي ب اعادة تشغيل العلاقات بين الدولتين, التي لا تغير شيئا في طبيعة الموقف الأمريكي المتصلب أصلا تجاه روسيا علي أرض الواقع. وثمة من يقول ايضا ان ما اعلنه تريتياكوف يظل مؤشرا لوجود تيار محافظ يميل تقليديا نحو تفضيل التعامل مع الجمهوريين في الولاياتالمتحدة علي اعتبار انهم يمثلون التوجه البراغماتي رغما عما فعله الرئيس بوش الابن خلال سنوات ولايتيه لزعزعة اركان هذه التوجهات وهو ما اصاب العلاقات الروسية الامريكية بالكثير من الاضرار.ولعل ما فعله بوش الابن يمكن ان يكون تفسيرا لعزوف غالبية الساسة الروس عن قبول اخلافه من امثال رومني وقبله جون ماكين الذي سبق وخصه بوتين بالكثير من النقد اللاذع. وهكذا نخلص الي ان الكرملين يبدو قريبا من اعلاء افضلية فوز اوباما الذي يراه اكثر استعدادا ومرونة لقبول تغيير سياساته ومواقفه في فترة الولاية الثانية. وبهذا الصدد ننقل عن فيدور لوكيانوف احد ابرز المحللين السياسيين الروس ورئيس تحرير مجلة روسيا في السياسة العالمية ما قاله حول مدي افضلية التعامل مع اوباما الذي اعترف بضرورة واهمية دور روسيا في الكثير من القضايا ومنها الاوضاع في افغانستان والملف النووي الايراني ونزع السلاح, الي جانب ادراكه سهولة التوصل الي التفاهمات والتوافقات مع روسيا رغما عن كل التناقضات والخلافات وانعدام الثقة الموروثة عن الماضي.وكان اوباما سبق وتوصل مع نظيره الروسي السابق دميتري ميدفيديف الي ما اطلقا عليه اسم اعادة اطلاق العلاقات الروسية الامريكية التي يتخذها رومني هدفا في هجماته ضد منافسه الديموقراطي وما تعتبره روسيا امرا يحول دون تسوية الخلافات العالقة بين البلدين. وتلك كلها امور تضعها موسكو في حسبانها لدي تحديد خيارها الذي يقول مراقبون عديدون انه يقترب اكثر من باراك اوباما رغم وجود الكثيرين من المراقبين الذين يقولون ان الولاية الثانية لاوباما ستكون اكثر تعقيدا لروسيا ولا سيما في فضاء القارة الاسيوية.