في عصرنا الذي نعيش فيه، كم شنفت آذاننا دعاوى حقوق الإنسان، والحرية، والتمدين، وحماية الحريات والدفاع عنها، ولكنا نجد المسلمين في بورما يعذبون ويضطهدون وبالنيران يحرقون وهم أحياء. ويضربون على رؤوسهم حتى الموت أمام أبنائهم وزوجاتهم وذويهم، إن هذا لأمر يندى له الجبين، وتقشعر منه الجلود، وبالرغم من كل هذا نجد التغطية الإعلامية ضعيفة جدا أو تكاد تكون معدومة!! هذه البلاد فتحها المسلمون الأوائل دونما قتل أو غدر، ودونما أن يؤذوا أحدًا، أو يعتدوا على أحد، دونما أن يقتلوا طفلا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأةً، ولم يهدموا بناء، ولم يجبروا راهبا على ترك دينه، كما وصاهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل دخل الإسلام فيها وانتشر بأخلاق المسلمين. يعيش مسلمو بورما أوضاعًا كارثيّة بمعنى الكلمة، حيث تحوّلت المواجهات الطائفيّة التي تشهدها البلاد إلى حرب شاملة ضد المسلمين في بورما، وقد اندلعت هذه الأحداث عندما قُتل العشرات من مسلمي بورما لدى عودتهم من العمرة على يد عصابات بوذيّة غاضبة قامت بضربهم حتى الموت، وذلك على خلفية مقتل شابة بوذيّة، وهناك عصابات مسلحة تجوب البلاد بالسكاكين والعصي، وتقتل كل من يواجهها من المسلمين، وتحرق وتدمر مئات المنازل، وخاصة في منطقة "مونغاناو" في شمال الولاية، ومدينة "سيتوي" عاصمة ولاية أراكان، وعلى الرغم من إعلان السلطات حالة الطوارئ في الولاية، وانتشار قوات الأمن في محيط المساجد والمعابد البوذيّة، ما زالت المواجهات الدمويّة مستمرّة بين الأقلية المسلمة والغالبية البوذيّة، وقد قامت الأممالمتحدة بسحب جميع موظفيها من الولاية، فخلال عام 1978م هاجر أكثر من 200.000 من مسلمي بورما إلى بنجلاديش المجاورة؛ هربًا من الحملة الشرسة التي شنتها ضدهم القوات البورميّة، وفي عام 1982م أصدرت السلطات في بورما قانونًا يقضي بسحب الجنسية من مسلمي بورما؛ وهو ما جعلهم يعيشون أجانب ولاجئين في بلدهم الأصلي، وفي عامي 1991 و1992م تعرض مسلمو بورما مجددًا لحملة إبادة من القوات البورمية، وهو ما دفع الكثير منهم إلى اللجوء لبنجلاديش المجاورة. أما البقيَّة التي رفضت الهجرة فتواجه صنوفًا من الظلم والتعذيب والتهميش لا يمكن تصورها كالأشغال الشاقة، ومصادرة الأراضي والممتلكات، والحرمان من الزواج أو التنقل من مكان لآخر إلا بموافقة رسميّة من السلطات البورمية، وذلك بهدف دفعهم إلى مغادرة البلاد بشكل نهائي، حيث يعيش اليوم أكثر من مليون مسلم بورمي خارج بلادهم كلاجئين مضطهدين، مقابل حوالي 750 ألفًا داخل بورما ذاتها، المواجهات الدمويّة الأخيرة التي تشهدها بورما هي بالتأكيد نتاج ثقافة الكراهية الدينيّة والعرقيّة تجاه المسلمين هناك، ويؤكد العديد من شهود العيان أن العصابات البوذية شبه العسكرية التي تستهدف المسلمين، تتحرك بمساعدة وحماية قوات الأمن في بورما. مسلمو بورما وبالتحديد من تبقى منهم على قيد الحياة، يعيشون اليوم بين فكي كماشة، فهم يواجهون حرب إبادة شاملة في بلدهم الأصلي بورما، ومن أراد منهم النجاة بنفسه هربًا من القتل والتعذيب على يد العصابات البوذية في بورما يتصدى له حرس الحدود البنغاليون، ليعيدوه مجددًا إلى حياة الجحيم البورميّة. ويمنع مسلمو بورما من استخراج أوراقهم الرسمية، ومن يقوم بتجديدها تُسحب منه، وهو ما يعد محاولة لمحو هوية أمة بأكملها من هذه المناطق، حتى من هجروا وخرجوا لمناطق الإيواء في الغابات والصحاري لا يتركونهم في حالهم بل يذهبون إليهم كي يعذبوهم ويؤذوهم ويدمروا العشش والخيام التي يقطنون فيها، على مسمع ومرأى من العالم المتمدن الذي يسلط أضواءه على أقليات بعينها يخدم بها مصالحه وأهدافه، يحدث هذا على مسمع ومرأى من الدول التي تسمي نفسها بالكبرى وتزعم أنها تحمي حقوق الإنسان وتحارب الإرهاب!! أين أنتم من هذا الإرهاب يا دعاة حقوق الإنسان، يا دعاة الحرية، لماذا خرست ألسنتكم؟! يأيها الزاعقون ليل نهار بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب، ارفعوا أيديكم ووصايتكم عن مصر فمصر ليس فيها اضطهاد لأحد، مصر يعيش أهلوها منذ زمن بعيد في أمن وسلام، باستثناء حوادث متفرقة تُعدُّ على الأصابع هي من طبيعة العمران البشري، واذهبوا إلى حماية هؤلاء المستضعفين الحقيقيين في بورما إذا كنتم حقًّا تدافعون عن الإنسان وحريته وحقوقه، وإلا فلا. وعلى كل مسلم غيور على دينه وعرضه ألا ينسى إخوانه المسلمين المستضعفين في بورما، ولا بد أن نذكر قضيتهم في كل محفل ومناسبة، ولا بد أن نقدم لهم المساعدات والمعونات ولا ننساهم في دعائنا ليل نهار، اللهم انصرهم على عدوهم، وقوِّ ظهرهم، وفرِّجْ كروبهم... اللهم آمين. المزيد من مقالات جمال عبد الناصر