تكشف الخلافات المتصاعدة داخل الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور عن وجود ازمة حقيقية تعبر عن نفسها بوضوح في الاستقالات المتتالية لعدد من اعضائها. وفي شكاوي المستشار الغرياني رئيس الجمعية من كثرة الخلافات داخل اللجان الفرعية وغياب التوافق بين معظم اعضائها, وفي الشكوك المتزايدة خارج الجمعية في قدرتها علي التغلب علي مصاعبها وغياب الشفافية في اعمالها نتيجة الافراط في سرية اعمال اللجان التي يمتنع علي الصحفيين حضورها او متابعتها!. والواضح من الازمة الاخيرة التي يحاول شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب تداركها وحصارها من خلال مساعيه الخيرة ان الاستقطاب الحاد بلغ اشده داخل الجمعية بين ممثلي تيارات الاسلام السياسي الذين يحاولون انتاج دستور اسلامي النزعة والهوية ينحو نحو تطبيق احكام الشريعة, وممثلي التيارات الليبرالية والمستقلة الذين يدعون الي دستور مدني يعبر عن دولة مدنية ديمقراطية تقوم علي المواطنة وتقر بمبادئ الشريعة مصدرا اساسيا من مصادر التشريع, بسبب اصرار انصار الاسلام السياسي علي اقحام تحفظاتهم ذات الصفة الدينية علي معظم مواد الدستور, فالمرأة يمكن ان تتساوي مع الرجل في الحقوق والواجبات شريطة الا يتعارض ذلك مع احكام الشريعة, والشعب هو مصدر كل السلطات شريطة الاعتراف بان سلطة الشعب مستمدة من سلطة الله, واغرب ما في هذا النزاع ان تصبح المادة الثانية من الدستور رهينة خلاف الطرفين, رغم وجود توافق وطني واضح ومعلن علي ضرورة الابقاء علي هذا المادة كما كانت في دستور71 دون اي اضافة او تزيد درءا لأية خلافات متوقعة. لكن الخطير في الامر ان الاستقطاب الحاد في الجمعية التأسيسية لا يعدو ان يكون انعكاسا او صورة طبق الاصل من الاستقطاب الحاد الموجود في الشارع السياسي الذي يزداد حدة وعمقا كل يوم, ويعبر عن نفسه بوضوح في تصريحات السيد خيرت الشاطر الاخيرة التي تدعو الي لملمة كل الخلافات بين التيار السلفي وجماعة الاخوان في مواجهة القوي السياسية المدنية التي لا تزال منقسمة علي نفسها رغم بروز التيار الشعبي, ولان حدة الاستقطاب تزداد عمقا استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة, سوف تتجدد الاختلافات مرات ومرات داخل الجمعية التأسيسية الي ان يصبح من العسير حصارها وتداركها. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد